كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

فَلَمْ يَرَ شَيئًا يَسْتَتِرُ بِهِ. فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. فَقَال: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ، الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ. حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخْرَى. فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا. فَقَال: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذلِكَ. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَينَهُمَا، لأَمَ بَينَهُمَا، (يَعْنِي جَمَعَهُمَا)، فَقَال: "الْتَئِمَا
ــ
(فلم ير شيئًا يستتر به) عن أعين الناس (فإذا شجرتان) كائنان (بشاطئ الوادي) أي بجانبه (فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال) للشجرة (انقادي) أي أطيعيني فيما أريد منك من كونك سترة (عليّ) من أعين الناس، وقوله (بإذن الله) تعالى متعلق بانقادي (فانقادت) الشجرة أي أطاعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ماشية (معه) إلى حيث أراد حالة كونها معه (كالبعير المخشوش) أي المجعول في أنفه خشاش وهو عود يُجعل في أنف البعير إذا كان صعبًا ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وهو مع ذلك يتمانع وإذا شُدّ عليه العود ثانيًا وآلمه انقاد شيئًا، ولهذا زاد في وصف البعير بقوله (الذي يُصانع) أي يطيع (قائده) بصناعة العود في أنفه، وقوله (حتى أتى الشجرة الأخرى) غاية لقوله انقادت أي فانقادت معه حتى أتى بها منتصف ما بينها وبين الشجرة الأخرى فتركها في المنتصف فذهب إلى الشجرة الأخرى (فأخذ بغصن من أغصانها) أي من أغصان الشجرة الأخرى (فقال) للشجرة الأخرى (انقادي علي) أي أطيعيني فيما أريد منك من كونها سترة عليّ عن أعين الناس. وقوله (بإذن الله) متعلق بانقادي (فانقادت) أي فأطاعت له تلك الأخرى ذاهبة (معه) - صلى الله عليه وسلم - حالة كونها كائنة (كذلك) أي كالإبل المخشوش. وقوله (حتى إذا كان بالمنصف) بفتح الميم والصاد بينهما نون ساكنة غاية لقوله فانقادت أي فانقادت له حتى إذا كان ووصل بها منتصف المسافة التي كانت (مما بينهما) أي وصل منتصف المسافة التي بين الشجرتين (لأم) وضم (بينهما) أي بين الشجرتين (يعني جمعهما) أي جمع بين الشجرتين تفسير مدرج من بعض الرواة لقوله لأم، وقوله (لأم) كذا لأحمد بن عيسى مهموزًا ومقصورًا ولغيره (لاءم) بهمزة ممدودة وكلاهما صحيح أي جمع بينهما، وللعذري (فألام) رباعيًّا بغير همز وهو تغيير ليس بشيء (فقال) لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - (التئما) أي التصقا

الصفحة 482