كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ" فَالْتَأَمَتَا. قَال جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ (وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ: فَيَتَبَعَّدَ) فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي. فَحَانَت مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا برَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُقْبِلًا. وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا. فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ
ــ
سترتين (علي) عن أعين الناس (بإذن الله) تعالى وارادته (فالتأمتا) أي التصقتا وانضمتا عليه لتكونا سترة له.
(قال جابر) بالسند السابق (فخرجت) أي من ذلك المكان وبعدت منه حالة كوني (أُحضر) بضم الهمزة بوزن أُكرم من الرباعي المسند إلى ضمير المتكلم أي حالة كوني أجري وأعدو وأسعى سعيًا شديدًا (مخافة أن يُحسّ) بضم الياء وكسر الحاء وتشديد السين من أحس الرباعي ومنه {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أي مخافة أن يعلم (رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقربي) منه (فيبتعد) أي فيبعد عني لطلب سترة أخرى مضارع ابتعد الخماسي من باب افتعل (وقال محمد بن عبّاد) بن الزبرقان المكي ناسخ المؤلف أحد رواة هذا الحديث، صدوق، من العاشرة، أي قال في روايته (فيتبعد) مضارع تبعد الخماسي كلاهما بمعنى يبعد لأن الافتعال والتفعل هنا لمبالغة معنى الثلاثي، قال جابر (فجلست) بعيدًا منه - صلى الله عليه وسلم - انتظارًا لمجيئه حالة كوني (أحدّث نفسي) أي أتحدّث معها تعجبًا من معجزته هذه، وقوله (مخافة أن يحس) لأنه - صلى الله عليه وسلم - إن شعر بقربي منه فإنه لا يجلس لقضاء حاجته في ذلك المكان بل يذهب إلى مكان أبعد منه وذلك يشق عليه فابتعدت أنا منه لئلا يتعب هو بالمشي إلى مكان بعيد (فحانت) أي وقعت (مني لفتة) بفتح اللام وسكون الفاء، وفي بعض الروايات (فحالت) بدل قوله (فحانت) وكلاهما بمعنى واحد أي وقعت مني نظرة والتفاتة، قال القاضي (لفتة) أي نظرة وهي بفتح اللام، وعند الصدفي (فحالت) باللام وهما بمعنى فالحين والحال الوقت أي اتفقت ووقعت وكانت اهـ من الأبي (فإذا أنا) راء (برسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (مقبلًا) إليّ بعد قضاء حاجته (وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحد منهما على ساق) أي على أصلها.
وحاصل الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد التستر لقضاء حاجته بما تيسر له ذلك بشجرة واحدة فأمر الشجرتين حتى انتقلتا إلى مكان متوسط بينهما ثم

الصفحة 483