كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 26)

فَأَتَيتُ الشَّجَرَتَينِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا. ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. أَرْسَلْتُ غُصنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي. ثُمَّ لَحِقْتُهُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَال: "إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَينِ يُعَذَّبَانِ. فَأَحْبَبْتُ، بِشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا، مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَينِ"
ــ
وسنان مذلق أي محدود اهـ، وقوله (وحسرته) هو بالحاء والسين المهملتين مع تخفيف السين أي حددته وأزلت عنه ما يمنع حدته حتى أمكن قطع الأغصان به وهو معنى قوله (فانذلق) بالذال المعجمة أي صار حادًّا اهـ سنوسي، وأصل الحسر كشطك الشيء عن الشيء ونحته، ومنه حاسر الرأس وهو الذي ليس على رأسه قلنسوة أو عمامة كأنه كشطها عن رأسه، قال جابر (فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنًا ثم أقبلت) إلى موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - حالة كوني (أجرّهما) أي أجرّ الغصنين على الأرض (حتى) إذا (قمت مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وموقفه (أرسلت) أي وضعت (غصنًا) واحدًا (عن يميني وغصنًا) واحدًا (عن يساري ثم لحقته) - صلى الله عليه وسلم - (فقلت) له (قد فعلت) ما أمرتني به (يا رسول الله فعم) عن حرف جر (م) اسم استفهام في محل الجر بعن مبني على سكون ظاهر على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة الجار والمجرور خبر مقدم وجوبًا لكونه مما يلزم الصدارة (ذاك) مبتدأ مؤخر وجوبًا والمعنى فلأي سبب ولأي شيء ذلك الفعل الذي أمرتني به من وضع كل غصن في موضع فـ (قال) النبي - صلى الله عليه وسلم - سبب ذلك (إني مررت بقبرين يُعذّبان) أي يُعذب صاحباهما (فأحببت بشفاعتي أن يُرفّه) بضم الياء وتشديد الفاء ونصب الهاء لأنه لام الكلمة على صيغة المبني للمجهول أي رجوت أن يخفف (عنهما) ما كانا فيه من العذاب بسبب شفاعتي (ما دام الغصنان رطبين) أي مدة دوام رطوبة الغصنين بسبب استغفارهما، ومعنى يرفه يخفف ويبعد ومنه ترفه عن كذا أي تنزه وتبعد اهـ سنوسي. وهذه القصة غير القصة المعروفة التي تقدمت قبيل كتاب الحيض رواها ابن عباس - رضي الله عنه - مر على قبرين فقال: "أما إنهما يعذبان وما يعذّبان من كبير ... " الحديث ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا لأن قصة حديث جابر هذه في بواط وقصة حديث ابن عباس تلك في المدينة، وقد ذكر الحافظ في الفتح [١/ ٣١٩] وجوه المغايرة بين حديث جابر هذا وحديث ابن عباس ذاك

الصفحة 485