كتاب بدائع الفوائد - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقا فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن أو اترك فكما تدين تدان وكما تفعل مع عباده يفعل معك فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى ما أساء إليه هذا مع ما يحصل له بذلك من
نصر الله ومعيته الخاصة كما قال النبي للذي شكى إليه قرابته وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال لا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك // رواه مسلم // هذا مع ما يتعجله من ثناء الناس عليه ويصيرون كلهم معه على خصمه فإنه كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير وهو مسيء إليه وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء وذلك أمر فطري فطر الله عباده فهو بهذا الإحسان قد استخدم عسكرا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه إقطاعا ولا خبرا هذا مع أنه لا بد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين إما أن يملكه بإحسانه فيستعبده وينقاد له ويذل له ويبقى من أحب الناس إليه وإما أن يفتت كبده ويقطع دابره إن أقام على إساءته إليه فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة والله هو الموفق المعين بيده الخير كله لا إله غيره وهو المسئول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه
وفي الجملة ففي هذا المقام من الفوائد ما يزيد على مائة منفعة للعبد عاجلة وآجلة سنذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى@

الصفحة 774