كتاب بدائع الفوائد - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 3)

ودلالة بإيمائه وتعليله ودلالة بمفهومه فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان ودلالته بتعليله وإيمانه على أن هذا القرب مستحق بالإحسان فهو السبب في قرب الرحمة منهم ودلالته بمفهومه على بعد الرحمة من غير المحسنين فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة
وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم لأنها إحسان من الله أرحم الراحمين وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان لأن الجزاء من جنس العمل فكما أحسنوا بأعماهلم أحسن إليهم برحمته
وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسن بعدت عنه الرحمة بعدا ببعد وقربا بقرب فمن تقرب بالإحسان تقرب الله إليه برحمته ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته والله سبحانه يحب المحسنين وببغض من ليس من المحسنين ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه
والإحسان ههنا هو فعل المأمور به سواء كان إحسانا إلى الناس أو إلى نفسه فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد والإنابة إلى الله والإقبال عليه والتوكل عليه وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالا ومهابه وحياء ومحبة وخشية فهذا هو مقام الإحسان كما قال النبي وقد سأله جبريل عن الإحسان فقال
أن تعبد الله كأنك تراه // رواه مسلم الترمذي والنسائي وغيرهم // وإذا كان هذا هو الإحسان في قريب من صاحبه فإن الله إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به@

الصفحة 861