كتاب مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث

ما عليها، فجعلت تَتَقَوَّلُ على الأئمة بما هم بَرَاءٌ منه، وتستصغر شأنهم وَتُكْبِرُ شأن أنفسها بمحاذاتهم والتقدم عليهم، وَخَصَّتْ الإمام أبا حنيفة بالطعن الشديد عليه والوقيعة فيه بما بَرَّأَهُ اللهُ منه، فكان عند الله وجيهًا.

فأناس من هذه الناشئة بَدَؤُوا بنشر المغامز والمطاعن الباطلة التي تتضمن الطعن في إيمان أبي حنيفة ودينه وفقهه - وهو أحد الأئمة المجمع على إمامتهم -، وقد بَيَّنَ بطلانها خلائق العلماء المتقدمين والمتأخرين وَحَذَّرُوا من الالتفات إليها وأنذروا، فما نفعت هؤلاء النُّذُرُ، وانبرى آخرون فتلقفوا أقاويل معدودة من كتب الجرح والتعديل هي معلولة بأنواع من العلل ومتلبسة بملابسات لا يقبل معها الجرح، تلقفوا هذه الأقاويل وبدؤوا يطعنون في حفظ هذا الإمام الجليل وضبطه وفهمه، وهؤلاء الأئمة هم أركان علم الجرح والتعديل وبأيديهم لوائهما، وتناسوا أيضًا إجماع الجهابذة الحفاظ المتأخرين على إسقاط وإبطال تلك المغامز والأقاويل المعلولة، وإطباقهم على الثناء عليه وتبجيله وتقريظه!!.

فأحببت - تنديدًا بالمعتنين المعاندين ورحمة بضعفاء الفهم المُغْتَرِّينَ - أن أجمع في هذا الكتاب ثناء العلماء القُدَامَى والمتأخرين على الإمام أبي حنيفة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - من ناحية مكانته الرفيعة في علم الحديث والسُنَّةِ خاصة، وأوضح ما له من المنزلة السامية والمرتبة المنيفة في ذلك، عسى الله تعالى أن يهدي به التائهين عن الحق فيفوزوا ولا يهلكوا مع الهالكين.

وفضائل هذا الإمام ومناقبه كثيرة لا يحصيها العَدُّ، وقد ذكرت طائفة كبيرة من المتقدمين والمتأخرين كثيرًا منها في أجزاء مفردة وكتب مستقلة وفي ضمن كتب التواريخ والتراجم، ولكن جُلَّ تلك الكتب ليس بمتناول أيدي عامة القُرَّاءِ، ففي هذا الجمع والاختيار ذريعة حسنة لاطلاعهم على نخبة من تلك المناقب الوافرة والفضائل الجسام.

الصفحة 12