كتاب مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث

وَافَقَ النَّسَائِيَّ على مُطْلَقِ القولِ جماعةٌ من المحدثين، واستوعب الخطيب في ترجمته من " تاريخه " أقاويلهم، وفيها ما يُقْبَلُ وَمَا يُرَدُّ، وقد اعتذر عن الإمام بأنه كان يرى أنه لا يُحَدِّثُ إلا بما حفظه منذ سَمِعَهُ إلى أن أَدَّاهُ، فلهذا قَلَّتْ الرواية عنه، وصارت روايته قليلة بالنسبة لذلك
¬__________
= على بهيمة، حديثَ الإمام أبي حنيفة عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مَنْ أَتَى بَهِيمَةً حَدٌ» قَالَ النسائي: «هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ».
فَأَعَلَّ الحديث بعاصم شيخ أبي حنيفة، ولو كان أبو حنيفة كما قاله النسائي في " الضعفاء والمتروكين " لأَعَلَّ الحديث أولاً بأبي حنيفة، ولكنه لم يفعل، بل اكتفى بإعلاله بعاصم، فالظاهر أنه رجع عما قاله في حق الإمام أبي حنيفة في كتاب " الضعفاء ".
وكم يقع مثل هذا الرجوع من النُقَّادِ إذ يتجلى لهم غير ما حكموا به من قبل.
ثم إن النسائي ظن أن عاصمًا شيخ أبي حنيفة هو عاصم بن عمر المدني، وهو ضعيف، والواقع أنه عاصم بن بَهْدَلَةَ أَبِِي النُّجُودِ كما جاء مُصَرَّحًا به في كتاب " الآثار " للإمام أبي حنيفة رواية الإمام محمد عنه: ص 311 (باب درء الحدود)، وكذا قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب ": 10/ 415، وتصحف في المطبوع من " التهذيب " (أَبِِي النُّجُودِ) إلى (أَبِي ذَرٍّ) فليصحح، ولم يذكر المزي في " تهذيب الكمال " عاصم بن عمر من شيوخ أبي حنيفة، بل ذكر عاصم بن بهدلة أبي النجود، وكتب أمامه (س) إشارة إلى أن حديث أبي حنيفة عنه في كتاب النسائي، وليس لأبي حنيفة في كتاب النسائي إلا هذا الحديث، فظهر أن المِزِّي أيضًا لم يتابع النسائي في قوله: إن عاصمًا راوي الحديث هو عاصم بن عمر.
وعاصم بن بهدلة هو المقرئ المعروف، حديثه في " الكتب الستة "، وقد قال فيه النسائي: «لاَ بَأْسَ بِهِ، وَوَثَّقَهُ طَائِفَةٌ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي حِفْظِهِ، فَالحَدِيثُ جَيِّدٌ إِنُ شََاءَ اللهُ تَعَالَى».

الصفحة 127