كتاب مكانة الإمام أبي حنيفة في الحديث

حَسَدُوكَ أَنْ رَأَوْكَ فَضَّلَكَ اللَّـ ... ـهُ بِمَا فُضِّلَتْ بِهِ النُّجَبَاءُ

وَقِيلَ لأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ: فُلاَنٌ يَتَكَلَّمُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ نُصَيْبٌ:
سَلِمْتِ وَهَلْ حَيٌّ عَلَى النَّاسِ يَسْلَمُ (*)

وَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ:
حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ ... فَالنَّاسُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَ العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، فَلْيَقْبَلْ قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَخَسِرَ خُسْرَانًا، وَكَذَلِكَ إِنْ قَبِلَ فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلَ عِكْرِمَةَ، وَفِي الشَّعْبِيِّ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الكُوفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ عَلَى الجُمْلَةِ وَفِي مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا البَابِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ.
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَنْ يَفْعَلَ إِنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ فَلْيَقِفْ عِنْدَ مَا شَرَطْنَا فِي أَنْ لاَ يَقْبَلَ فِيمَنْ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَعَلِمْتَ بِالعِلْمِ عِنَايَتَهُ، وَسَلِمَ مِنَ الكَبَائِرِ وَلَزِمَ المُرُوءَةَ [وَالتَّصَاوُنَ] وَكَانَ خَيْرُهُ غَالِبًا وَشَرُّهُ أَقَلُّ عَمَلِهِ فَهَذَا لاَ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ قَائِلٍ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الحَقُّ الذِي لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
بَكَى شَجْوَهُ الإِسْلاَمُ مِنْ عُلَمَائِهِ ... فَمَا اكْتَرَثُوا لَمَّا رَأَوْا مِنْ بُكَائِهِ
فَأَكْثَرُهُمْ مُسْتَقْبِحٌ لِصَوَابِ مَنْ ... يُخَالِفُهُ مُسْتَحْسِنٌ لِخَطَائِهِ
فَأَيُّهُمُ المَرْجُوُّ فِينَا لِدِينِهِ ... وَأَيُّهُمُ المَوْثُوقُ فِينَا بِرَأْيِهِ
¬__________
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) هو كما أثبته، البيت الأول لنصيب، والثاني لأبي الأسود الدؤلي، انظر " جامع بيان العلم وفضله "، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري: 2/ 1113 رقم 2192، 2193، الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، نشر دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية.

الصفحة 136