كتاب الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

الوصل الثالث: بيان من ذكر من العلماء، أن الأئمة لم يفتوا بقوله:
" ومن حمله فليتوضأ ":
قد انقسم الحديث الذي قدمناه إلى شطرين ظاهرين:
الأول: من غسل ميتاً فليغتسل.
الثاني: ومن حمله فليتوضأ.
وقد تنازع العلماء في الشطر الأول تنازعاً بيناً، واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، فعمل به أقوام من المتقدمين والمتأخرين، وتركه أيضاً كثيرون، وتوسط بعضهم فقال بالاستحباب للغسل دون الوجوب، فتبين أن شطره الأول ليس من شرطنا في هذا الكتاب. وربما يتعسف بعض الناس فيلحقه لقلة القائلين به من الفقهاء، استحباباً لا وجوباً.
وأما شطره الثاني فهو على شرطنا، حيث لم يفت أحد من العلماء بظاهره فيما علمنا، وتتبعناه من أقوال الشراح. إلا ما حكاه ابن حزم رحمه الله من القول به.
قال الصنعاني في " سبل السلام ": وأما قوله: " ومن حمله فليتوضأ " فلا أعلم قائلاً يقول به بأن يجب الوضوء من حمل الميت أو يندب.
قال: ولكنه مع نهوض الحديث لا عذر عن العمل به، ويفسر الوضوء بغسل اليدين، كما يفيده التعليل بقوله - في حديث آخر - " إن ميتكم يموت طاهراً ". فإن لمس الطاهر لا يوجب غسل اليدين منه، فيكون في حمل الميت غسل اليدين ندباً تعبداً، إذ المراد إذا حمله مباشراً لبدنه بقرينة

الصفحة 129