كتاب الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

وإنما قلنا: إن الطائفة ها هنا: عدد لا يفيد قولهم العلم، لأن كل ثلاثة فرقة، والله تعالى أوجب على كل فرقة أن تخرج منها طائفة، والطائفة من الثلاثة واحد أو اثنان، وقول الواحد أو الاثنين لا يفيد العلم.
وإنما قلنا إنه تعالى لما أوجب الحذر عند خبر العدد الذي لا يفيد قولهم العلم وجب العمل بذلك الخبر لأن قوماً إذا فعلوا فعلاً، وروى الراوي خبراً يقتضي المنع من ذلك الفعل، فإما أن يجب عليهم تركه عند سماع ذلك الخبر أو لا يجب.
فإن وجب فهو المراد من وجوب العمل بمقتضى الخبر، وإذا ثبت وجوب العمل بمقتضى ذلك الخبر - في هذه الصورة - وجب العمل به في سائر الصور، ضرورة أن لا قائل بالفرق.
وإن لم يجب الترك، لم يجب الحذر، وذلك ينافي ما دلت عليه الآية من وجوب الحذر.
قلت: بقي الجواب عما إذا وقع النقاش مع حصر الطائفة في العدد الذي لا يفيد العلم، والجواب: أنه لا يخلو من أن يكون المراد من لفظ الطائفة التي وجب عليها الخروج للتفقه، والإنذار إذا رجعت أمرين:
الأول: العدد الذي ينتهي لحد التواتر.
الثاني: العدد الذي لا ينتهي لحد التواتر.
ومن يحصر المراد بالأول يلزمه القول بأن الواجب على كل طائفة، وأهل قرية، أو بادية إذا كان عددهم ما دون حد التواتر أن يخرجوا بأجمعهم للتفقه والإنذار، وهذا لا يقول به قائل في أي عصر من الأعصار، بل القول خلافهم، فدل على أن المراد يشمل الأمر الثاني للخروج من هذا الإلزام.
والله أعلم.
وبهذا العرض يكون وقع الجواب عما يمكن أن يبديه أهل الاعتراض على صحة هذا الاستدلال، اللهم إلا وجهين نذكرهما، والجواب عليهما.

الصفحة 26