كتاب الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

غير صحيح، وبه تبطل سائر الأصول لأنه لا يخلو من إيراد احتمال ولو في غير موضعه، فعلمنا من هذا أن الاحتمال المراد إنما هو الاحتمال الذي لا يرد، ولا دليل على بطلانه، ولكننا قدمنا دفع جميع هذه الاحتمالات فلم يعد من معنى للاستدراك بها على بطلان أصلنا هذا.
الثاني: أن الفقهاء يحتجون بغلبة الظن، وهو لا يكون إلا في معرض الاحتمال، وكذا الأصوليون في كثير من مسائل الترجيح التي لا يظهر فيها الصواب بيناً، ولم يمنعهم من ذلك العمل بها، والاعتماد عليها.
الثالث: أن الدلالات الظنية إذا جتمعت أفادت القطع، بحسب كثرتها، ونحن لنا في هذا الباب ما لا ينضبط من الأدلة، التي لو تأملها المتأمل أفادت القطع عنده، والله أعلم.
* الحجة الثانية في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ). ووجه الاستدلال من هذه الآية أن الله تعالى أوجب البيان على كل فرد من الذين أوتوا الكتاب تبيان ما عرف وأن لا يكتم، فلو لم يكن بيانه حجة، ولا بلاغاً، لما كان من معنى في مطالبته بذلك.
وإنما قلنا بأن الأمر لكل واحد منهم، لأن الخطاب يكون على حسب الوسع، وليس في الوسع اجتماعهم جميعهم في مكان واحد، وإبلاغهم إبلاغاً واحدا لكل إنسان، فتبين أن المخاطب بذلك هو كل واحد منهم. وإنما قلنا بالوجوب، لأن الميثاق والعهد من أبلغ الالتزام الذي هو مقتضى الوجوب.

الصفحة 28