كتاب الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

غسلات، فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك - أو فعله - لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ، وأيضاً فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعاً، ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها، من حيث الإسناد، ومن حيث النظر.
أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير ... " انتهى.
وقد أوردت هذه التتمة الباقية للحافظ في هذه المسألة للإشارة إلى أن الفتوى أو العمل المنقول عن الراوي في مخالفة الخبر، قد يكون له مخالف آخر للفتوى، وموافقة للخبر، في رواية موقوفة عنه أخرى، لم تبلغنا.
وهذا جائز جداً، لأن فتاوى الصحابة لا تتطلب، ولا يحرص على نقلها، كما هو الحال في رواية الخبر المرفوع، فأبطلنا العمل بعمل الصحابي أو فتواه المخالفة لما روى لأجل هذه العلة الثالثة المحتملة.
فإن قلت: قد يكون - صلى الله عليه وسلم - قال وفق فتوى الصاحب أو عمله أيضاً ولم يقع ذلك في النقل عنه - صلى الله عليه وسلم -، كما هو على ما احتملت في محل الصاحب.
قلنا: هو احتمال مردود، لأن النصوص عن الشارع قد ضمن حفظها وبقاؤها في سائر العصور كما هو مقرر، بخلاف عمل الراوي فإنه ليس كذلك، فوقع الاحتمال في فتوى الراوي، وبطل في الثاني.
فوجود هذه الاحتمالات غير المدفوعة يبطل هذا الاستدلال، لما تقرر عند أهل العلم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل في الاستدلال. والله أعلم.

الصفحة 69