كتاب الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

قالوا: إن ما تعم به البلوى، أو يجب اشتهاره وإشاعته، لا يمكن أن يقتصر به على رواية الآحاد، أو مخاطبته - صلى الله عليه وسلم - للآحاد به، بل يلقيه على عدد متواقر مبالغة في إشاعته ونشره، لكثرة الحاجة إليه، فحيث لم ينقله لنا سوى الواحد دل على كذبه!!
فالوضوء من مس الذكر مما يتكرر في كل وقت، فلو كانت الطهارة تنتقض به، لوجب إشاعته في الرواية.
والجواب عن ما زعموه حجة وليس كذلك من أربعة أوجه:
أ - الأول: عن طريق النص:
وقد قدمنا من النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة قبل عند ذكر دليل الاحتجاج بخبر الواحد، ولم يقع التفريق في واحد من هذه النصوص بين ما تعم به البلوى، وبين ما لا تعم، فقامت الحجة بخلاف هذا الشرط، إذ أن المقرر عند علماء الأصول وسائر أهل العلم قاطبة أن التخصيص لا يكون إلا بدليل نص، وهو هنا مفقود، كما هو في مسألة الإطلاق، فإن التقييد لا يكون إلا بما هو مثل حكم الإطلاق.
فالاستدلال بالمعقول في معارضة المنقول باطل، لأن أحسن أحوال المعقول أن يكون معروفاً بالقياس الجلي، والقياس الجلي أو غيره لا يمكن له أن يدفع النصوص أو يخصصها أو يقيدها، لأن القياس باطل في معرض النص، فتبين أن دلالة النص على العموم أقوى من القياس القاضي بالتخصيص.
وهذا القول يفضي للإجابة على شرط آخر قال به بعض الناس وهو أن لا يخالف الخبر القياس، على ما سيأتي بيانه والجواب عنه إن شاء الله تعالى في الشرط التالي.
ب - الثاني: عن طريق الحوادث التي بلغتنا في العمل من الصحابة

الصفحة 71