كتاب الانتهاء لمعرفة الأحاديث التي لم يفت بها الفقهاء

بهذه الأخبار دون اعتبار الشرط المذكور. وبعض أهل العلم يجعل الإجماع قائماً بين الصحابة في هذا، فيحتج بالإجماع.
أقول: وحيث أن المخاطب بهذا الرد هم الحنفية، وهم يحتجون بخبر الآحاد من حيث الأصل فإن الواجب عليهم التسليم إن صحت هذه الأخبار، لا إلزاماً بالحكم بالقضية الواردة في خبر الواحد هذا، ولكن ببيان أن الصحابة عملوا بالخبر دون اعتبار هذا الشرط، ثم يكون إلزامهم من بعد بترك الشرط، والعمل بهذه الأخبار.
فمن ذلك حديث رافع بن خديج في المزارعة عند الشيخين وغيرهما.
ففي رواية عند الشيخين: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إمارة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وصدراً من خلافة معاوية، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليه وأنا معه، فسأله، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء المزارع، فتركها ابن عمر، وكان إذا سئل عنها بعد قال: زعم ابن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها.
وفي رواية لمسلم: " كنا لا نرى بالخبر بأساً، حتى كان عام أول فزعم رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه فتركناه من أجله ".
وللحديث ألفاظ كثيرة جداً يطول ذكرها.
فها هو ابن عمر وغيره - كما في اللفظ الآخر - يرجعون لخبر الواحد في الأمر الذي تعم به البلوى، هذا مع كونهم كانوا قبل معرفته على خبر آخر، وهو نقيضه.

الصفحة 72