كتاب البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة
ولا أحد من أصحابه، وهم أعلم بسنته، وأحرص منا على تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وإنما أحدث هذا المولد وغيره من الموالد لغير النبي صلى الله عليه وسلم الفاطميون الرافضة، يقول الإمام أبو حفص تاج الدين الفاكهاني رحمه الله في رسالة "المورد في عمل المولد": "أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد، هل له أصل في الدين؟، وقصدوا الجواب عن ذلك مبينا والإيضاح عنه معينا.
فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعةأحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون" اهـ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام, وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف, ولو كان هذا خيرًا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحقّ به منا، فإنهم كانوا أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا وهم على الخير أحرص، وإنما محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان" 1 اهـ.
وأما من لم يشرب البدعة قلبُه، وإنما استحسنها، وظن أنها تقربه إلى الله عز وجل ثم ظهر له الدليل على خلافها، وتعقل ذلك، فالغالب رجوعه وتوبته، ويمثل العلماء لمثل ذلك بمن رجع من الخوارج بعد مناظرة ابن عباس لهم، وبرجوع المهتدي والواثق عن بدعتة القول بخلق القرآن.
__________
1 اقتضاء الصراط المستقيم 2/615، تحقيق الدكتور ناصر العقل.
الصفحة 21
47