كتاب البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة
ثم بلطف، وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن في تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص".
ثم قال: "واحذر أيها الناصح لهم على هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس، فتقول لهم: إني نصحتهم، وقلت وقلت، فإن هذا عنوان الرياء وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أُخَرْ معروفة".
هذا ماقاله الشيخ عبد الرحمن السعدي في نصيحة ولاة الأمور السلطان الأعظم وولاته، وقد نص على أن النصيحة تكون سِرًّا لا علنا، ثم بلطف وعبارة تليق بالمقام، كما حذر الناصح لهم على هذا الوجه المحمود، إن كان يقصد بنصيحته الصدق والإخلاص، ألاّيفسد تلك النصيحة بالتمدّح عند الناس فيقول: إني نصحتهم وقلت وقلت، فإن ذلك يدل على الرياء وعلامة على ضعف الإخلاص كما قال الشيخ السعدي.
وبعد ذكرنا لكلام الشيخ السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ، وهو من العلماء المعاصرين، نرى أنه من المناسب ذكر مثال من كلام العلماء السابقين.
يقول ابن أبى عاصم في كتاب السنة 2/ 521ح 1096 "باب: كيف نصيحة الرعية للولاة؟ "، وقد أورد فيه بإسناده عن شريح بن عبيد قال: قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم: ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده، فيخلو به فإن قبل منه فذلك، وإلا كان قد أدى الذى عليه"، قال الألباني: "إسناده صحيح".
هذا هو أسلوب علماء أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة الناجية في نصحهم لولاة أمورهم؛ لأنهم يريدون لأمتهم وللعباد والبلاد الخير والصلاح، وهو ما نعتقد أن علماءنا في الوقت الحاضر وهم المتبعون لمنهج السلف الصالح يقومون به لولاة أمورهم بالأسلوب الذى ذكره العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ، فهم لا يقدمون النصائح علنًا حتى نسمعها، لأنهم يعلمون أنها بهذه الأسلوب غير مجدية، ولا هو منهج أهل السنة والجماعة، ثم هم لا يفسدون تلك النصائح التي يقدمونها بالتمدح بين الناس بأن يقولوا: فعلنا وفعلنا وقلنا لهم وقلنا؛ لأن هذا ـ كما قال السعدي فيه رياء وعدم إخلاص في النصيحة، وفي الوقت نفسه فيه أضرار كثيرة.
أما الوقائع العينية مع الولاة والأمراء فما صح منها فإنه كان نصيحة للأمير مباشرة عند ظهور مخالفتة للسنة، مع وجود الألفة بينهم ـ أي: العلماء والأمراء ـ، والقصد من النصيحة الإصلاح لا التشهير كما في قصة مروان أمير المدينة، ففي صحيح البخارى كتاب العيدين ح 956 عن أبي سعيد الخدري قال:
الصفحة 41
47