كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

يقول: (من بنى مسجدا - قال بكير: حسبت أنه قال:- يبتغى به وجه الله - بنى الله له مثله في الجنة) (1).
... وهذان النصان صريحان في أن المسلمين أنكروا على عثمان، وكرهوا أن يبنى المسجد على هذا النمط الجديد، ولا يجوز أن يكون النكير والكراهية لمجرد بناء المسجد، ذلك لأنهم هم الذين شكوا إليه ضيق المسجد وطلبوا منه أن يوسعه، ولأنهم أيضا هم الذين استحسنوا منه فكرة الهدم والبناء حين عرض عليهم الأمر ووافقوا عليه، فما كان لهم بعد ذلك أن ينكروا البناء أو يكرهوا التجديد، فالنكير والكراهية إذن إنما كانا لما أحدثه من تغيير هيئة المسجد، وبنائه على الشكل الذى ذكر في الأحاديث الصحيحة، ولهذا قال البغوى بعدما ذكر الحديث الذى فيه أن عثمان بناه بالحجارة وجعل عمده الحجارة المنقوشة وسقفه بالساج قال: (ولعل الذى كره منه الصحابة هذا) (2).
ونقل ابن حجر عن ابن بطال: (رحمهما الله- قوله: (هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد، وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقتضى الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه) (3).
... يتضح من هذا ما قررته من أن نكران الصحابة وكراهيتهم لم تكن إلا لما أحدثه عثمان -رضى الله عنه- من تغيير في هيئة المسجد، فماذا كان موقف عثمان من هذه المعارضة؟.
موقف عثمان من المعارضة
... إن عثمان -رضى الله عنه- قد تلقى هذه المعارضة بصدر رحب، وقلب سليم، وأوضح للمعارضين وجهة نظره، وبين أنه لم يفعل ذلك غلا طلبا للأجر، ورجاء المثوبة، والذى دفعه إلى هذا قول النبى - صلى الله عليه وسلم -: (من بنى مسجدا لله بنى الله له مثله في الجنة).
__________
(1) فتح البارى الجزء الأول ص 544.
(2) شرح السنة للبغوى الجزء الثاني ص 349.
(3) فتح البارى الجزء الأول ص 540.

الصفحة 100