ويرى ابن زبالة وابن شبة أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه أول من اتخذ المقصورة وبناها بالساج حين بنى المسجد (1).
وأما يحيى بن الحسن فإنه يروى في زيادة الوليد أن أول من أحدث المقصورة في المسجد مروان بن الحكم، بناها بالحجارة المنقوشة، وجعل لها كوى، ثم يذكر السبب الذى من أجله اتخذ المقصورة فيقول: (وكان بعث ساعيا إلى تهامة، فظلم رجلا يقال له: دب، فجاء دب إلى مروان فقال، حيث يريد أن يقوم مروان، حتى إذا أراد أن يكبر ضربه بسكين فلم يصنع شيئا، فأخذه مروان فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: بعثت عاملا فأخذ ذوى بمرة، وتركنى وعيالى لا نجد شيئا، فقلت: أذهب إلى الذى بعثك فأقتله، فهو أصل هذا، فجاء ما ترى، فحسبه مروان حينا في السجن، ثم أمر به فاغتيل سرا) (2).
ويروى ابن شبة هذه الرواية السابقة إلا أنه يسمى الرجل أحيانا دبا وأحيانا ذبابا.
وفى رواية للسمهودى عن النووى في شرح مسلم أنه قال: (أول من اتخذ المقصورة في المسجد معاوية رضى الله عنه حين ضربه الخارجى) (3).
وهذه الروايات تبدو متضاربة متنافرة، والمحقق فيها يقف حائرا لا يدرى أيها يثبت وأيها ينفى، ذلك لأن الروايات كلها صحيحة، ورواية ابن زبالة، وإن كان هو ضعيفا، إلا أنها تعضدت برواية ابن شبة مرة وبرواية يحيى بن الحسن مرة أخرى.
لا سبيل إذن إلا إلى التوفيق بينهما ما أمكن ذلك، ولا أظنه صعبا ولا عسيرا حيث يمكن القول بأن عثمان رضى الله عنه هو أول من بنى المقصورة باللبن، وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنه هو أول من بناها بالساج، ومروان بن الحكم أول من بناها بالحجارة المنقوشة، ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه أول من بناها بعد الاعتداء عليه، وهكذا تكون الأولوية هنا نسبية .. إما من حيث نوعية البناء، وإما من حيث سبب اتخاذها والله أعلم.
__________
(1) وفاء الوفا الجزء الثاني ص 510.
(2) المصدر السابق ص 511.
(3) وفاء الوفا الجزء الثاني ص 512.