كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

هاهنا، ومعه أبان عثمان، فلما استنفد الوليد النظر إلى المسجد التفت إلى أبان وقال: أين بناؤنا من بناؤكم؟
... قال أبان: إنا بنيناه بناء المساجد، وبنيتموها بناء الكنائس (1).
... على أن هذا الدافع مهما كان قويا، ونابعا من تطلعات النفس البشرية التى تحب دائما أن ينسب إليها كل عمل عظيم، إلا أنه لم يبلغ من نفس الوليد مبلغ الدافع السياسى الذى قدمته، بل لعله جاء متأخرا عنه حتى تم البناء، وأصبح مجالا للمباهاة والتفاخر، وعلى هذا فلا يصلح لأن يكون دافعا لهدم المسجد وبنائه.
تاريخ العمل في المسجد
... هناك روايات عن بدء العمل في المسجد النبوى الشريف في عهد الوليد بن عبد الملك وهذه الروايات تبدو في ظاهرها متضاربة، وغير مستقيمة، والعجيب في الأمر أنها عن رجل واحد وهو مؤرخ المدينة الأول - ابن زبالة - يقول في الرواية الأولى: (وهدمه عمر بن عبد العزيز سنة إحدى وتسعين، وبناه بالحجارة المنقوشة .. الخ) (2).
... وفى الرواية الثانية يقول ابن زبالة نفسه: (وابتدأ عمر بن عبد العزيز بناء المسجد سنة ثمان وثمانين وفرغ سنة إحدى وتسعين، وفيها حج الوليد) (3).
... وكان السمهودى يرجح الرواية الأولى، حيث حاول التوفيق بينها وبين الرواية الثانية بقوله: (ولا ينافى ذلك مع ما تقدم من أن عمر هدم المسجد في سنة إحدى وتسعين، لجواز أن يكون ولايته لذلك سنة ثمان وثمانين، واستمر في تحصيل الأهبة، وشراء الأماكن، وتخمير النورة إلى سنة إحدى وتسعين) (4).
... ولكن الطبرى يؤكد أن العمل في المسجد بدأ سنة ثمان وثمانين، حيث يذكر الشهر الذى بدئ فيه بهدم المسجد، فيقول عن صالح بن كيسان الذى تولى الهدم
__________
(1) وفاء الوفا جـ 2 ص 523.
(2) المصدر نفسه ص 519.
(3) وفاء الوفا جـ 2 ص 523.
(4) المصدر نفسه ص 522.

الصفحة 115