كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

مصلحة المسلمين يقول ابن حجر نقلا عن الطبرى: (ولهذه زيدت بيوتهن في المسجد النبوى بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين، كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات) (1).
وأما بيت السيدة فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذى كان يسكنه حسن بن حسن بن على وفاطمة بنت حسين بن على فقد ساومهم عمر بن عبد العزيز على شرائه منهم فأبوا، وقال حسن: والله لا نأكل له ثمنا أبدا.
وعرض عليهم عمر سبعة آلاف أو ثمانية آلاف دينار، فأبوا، ولم تطب أنفسهم ببيعه، فكتب إلى الوليد يخبره بذلك فأمره الوليد بهدمه وإدخاله في المسجد، وطرح ثمنه في بيت المال (2).
وأما بقية الدور فقد قبل أصحابها الثمن (3)، واشتراها منهم عمر بن عبد العزيز ليدخلها في المسجد وقد ذكر ابن سعد رواية حكاها عنه السمهودى تفيد بأن معاوية بن أبى سفيان - رضى الله عنه - كان قد اشترى بعض حجر أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: أوصت سودة ببيتها لعائشة - رضى الله عنها- وباع أولياء صفية بنت حيى بيتها من معاوية بمائة ألف وثمانين ألف درهم، واشترى معاوية من عائشة منزلها بمائة ألف وثمانين ألف درهم، وقيل بمائتى ألف، وشرط لها سكناها حياتها، وحمل إليها المال، فما قامت من مجلسها حتى قسمته (4).
وهذه الرواية تدل على أن الخليفة الأموى معاوية رضى الله عنه قد اشتراها، ولم تدخل في المسجد تحقيقا للمنفعة العامة كما روى الطبرى، ولكنها أدخلت بعد شرائها، ولعل هذه الرواية أصح من سالفتها لأن ما دار بين عمر بن عبد العزيز وبين عبيد الله بن عبد الله بن عمر بشأن بين حفصة - رضى الله عنها - يؤيدها، ويعضد ذلك أيضا ما روى عن رجاء بن حَيْوة قال: كتب الوليد عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز، وكان قد اشترى حجر أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - أن اهدمها، ووسع بها المسجد، فقعد عمر في ناحية، ثم أمر بهدمها، فما رأيت باكيا أكثر من يومه، ثم بناها كما أراد (5).
__________
(1) فتح البارى شرح البخارى جـ 6 ص 211.
(2) وفاء الوفا جـ 2 ص 514.
(3) تاريخ الأمم والملوك جـ6 ص 435.
(4) وفاء الوفا جـ 2 ص 435.
(5) وفاء الوفا جـ 2 ص 547.

الصفحة 117