كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

وأما بيت حفصة بنت عمر - رضى الله عنها - وهى إحدى أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - فقد كانت في الجنوب - أى في جهة القبلة، وكان بينه وبين بيت السيدة عائشة رضى الله عنها طريق ضيقة حتى إنهما كانتا تتهاديان الكلام وهما في بيتيهما لقرب المسافة بين البيتين.
فلما كتب الوليد إلى عمر يأمره بهدم المسجد والزيادة فيه، دعا رجالا من آل عمر، وقال لهم: عن أمير المؤمنين قد أمرنى أن أبتاع هذا المنزل، وأدخله في المسجد.
قالوا: ما نبيعه بشئ.
قال: إذاً أدخله في المسجد.
قالوا: أنت وذاك، فأما طريقنا فإنا لا نقطعها.
وفى رواية قال عبيد الله بن عبد الله بن عمر: لست أبيع هذا، هو من حق حفصة، وقد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يسكنها.
فقال عمر: ما أنا بتارككم أو أدخلها في المسجد.
فلما كثر الكلام بينهما قال له عمر: أجعل لكم في المسجد بابا تدخلون منه، وأعطيكم دار الرفيق مكان هذا الطريق، وما بقى من الدار فهو لكم، ففعلوا (1).
ولعل قائلا يقول: إن بيت السيدة حفصة رضى الله عنها كان في قبلة المسجد كما قدمناه وتوسعة الوليد كانت في الشرق والغرب والشمال وليس في الجنوب - أى قبلة المسجد - منها شئ، فكيف أدخل دار حفصة وهى في الجنوب؟
أقول: إن الوليد لما أمر بتوسعة المسجد من الشرق وأدخل الحجرات في المسجد تجاوزت التوسعة من هذه الجهة بيت السيدة حفصة، حيث كان في مقابل بيت السيدة عائشة كما قدمناه، ولما كان جدار المسجد الجنوبى الذى هو توسعة سيدنا عثمان رضى الله عنه قد تجاوز كذلك بيت السيدة حفصة إلى الجنوب، فإن بيت السيدة حفصة يكون معترضا في التوسعتين، فكان لا بد أن يدخل جزء منه في المسجد، وهو الجزء الذى يلتقى فيه الجدار الشرقى بالجدار الجنوبى، حتى يأخذ المسجد شكله المناسب.
__________
(1) المصدر السابق ص 615 , 516.

الصفحة 118