ولهذا فإن عمر عرض على آل عمر شراء البيت، وقال لهم: وما بقى من الدار فهو لكم، لأن الدار كلها لن تدخل في التوسعة، بل المطلوب منها هو الجزء الذى يصل الجدارين ببعضهما وتتم به هيئة المسجد والله أعلم.
كيف بني المسجد؟
... عزم الوليد رحمه الله على أن يخرج بناء المسجد في صورة جيدة ورائعة من حيث التصميم وفخامة البناء، وإتقان العمل، وروعة التنفيذ، وكأن الوليد كان لا يرى فيمن عنده من البنائين والعمال الكفاءة لإخراج العمل كما يريد.
... لهذا كتب الوليد إلى قيصر الروم يخبره أنه أمر بهدم مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم - ويطلب منه أن يعينه على البناء بالعمال، وما يلزم للبناء.
... ولم يقتصر قيصر الروم بل سارع بتلبية طلب الوليد، فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب ومائة عامل، وأربعين حملا من الفسيفساء، وأرسلها الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بالمدينة المنورة (1).
... وفى رواية لرزين، بعث إليه ثلاثين عاملا، وأربعين من الروم، ومثلهم من القبط، وبثمانين ألف مثقال، وبأحمال من الفسيفساء، وبأحمال من سلاسل القناديل (2).
... وصلت تلك المعونة إلى المدينة في الوقت الذى كان عمر بن عبد العزيز قد انتهى فيه من هدم المسجد فبدأ بالبناء، فعمل الأساس بالحجارة، وبنى الجدران بالحجارة المنقوشة المطابقة وقَصّة (3). بطن نخل، وجعل عمده من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص، وسقفه بالساج - وهو نوع من الخشب صلب - وطلاه بماء الذهب، وزينه بالفسيفساء والمرمر (4).
... وكان القبط وهم العمال المصريون يبنون في مقدمة المسجد، وأما الروم وهم
__________
(1) تاريخ الأمم والملوك جـ 2 ص 436.
(2) وفاء الوفا جـ 2 ص 519.
(3) القصة: الجص.
(4) وفاء الوفا جـ 2 ص 519.