العمال من بلاد الشام فكانوا يعملون في الجانبين والمؤخرة، وأمر بأن يجعل أسفل الأعمدة بمقدار ما يستر رجلين يصليان.
... وقد اعتنى عمر بن عبد العزيز بتحسين المسجد، حتى كان يكافئ العامل الذى كان يتقن عمله، والذى يصنع الشجرة الكبيرة من الفسيفساء ويحسن عملها يعطيه ثلاثين درهما (1).
... كما كان عمر حريصا على تحديد قبلة المسجد، فإنه بدأ في بناء جدار القبلة دعا شيوخ المدينة من قريش والأنصار والعرب والموالى، وقال لهم: تعالوا احضروا بنيان قبلتكم، ولا تقولوا غَيَّر عمر قبلتنا.
... فجعل لا ينزع حجرا إلا وضع مكانه حجرا (2).
... وكان من حرص عمر رضى الله عنه أنه كان يتفقد العمل بنفسه، وكان يراقب العمال وهم يعملون وبخاصة العمال الذين كانوا يعملون الفسيفساء، وبينهما هو يتفقد العمل يوما إذا رأى صورة خنزير عملها أحد العمال الروم على رأس خمس طاقات في جدار صحن المسجد في اتجاه القبلة فأمر عمر بضرب عنقه (3).
... ورأى العمال يوما أن المسجد قد خلا، وليس فيه أحد من المسلمين، فقال أحدهم في وقاحة وقلة حياء: ألا أبول على قبر نبيهم؟ وتهيأ لذلك، ونهاه أصحابه، فلم ينته.
... فلما هم بفعلته، اقتلع فألقى على رأسه، فانتثر دماغه، فأسلم بعض هؤلاء العمال لما رأوا ما نزل بصاحبهم.
... ولما رأى العمال ما أنزله عمر بالعامل الذى توقح، وما أصاب العامل الذى حاول انتهاك حرمة القبر الشريف، أخلصوا عملهم، وأتقنوا ما وكل اليهم، وأبدعوا في صناعة الفسيفساء حتى كان المسجد في أبهى صورة وأجمل منظر، وقال بعض العمال الذين عملوا الفسيفساء: إنا عملناه على ما وجدنا من صور أشجار الجنة وقصورها (4).
__________
(1) المصدر السابق ص 523.
(2) المصدر السابق ص 520.
(3) المصدر نفسه ص 519.
(4) وفاء الوفا جـ 2 ص 519.