وبنى عمر في المسجد مقصورة ليصلى فيها الإمام، وأبدع بناءها وجعلها من ساج وزخرف سقفها، حتى إن الوليد لما رأى سقف المقصورة وهو يتفقد المسجد قال لعمر: ألا عملت السقف كله مثل هذا، وأجاب عمر، يا أمير المؤمنين إذاً تعظم النفقة جدا.
... قال الوليد: وإن.
... قال عمر: أتدرى كم أنفقت على جدار القبلة وما بين السقفين؟
... قال: وكم؟
... قال: خمسة وأربعون ألف دينار.
... قال: والله لكأنك أنفقتها من مالك (1).
... وأخذ الوليد يطوف بالمسجد ويتفقد أحواله، وينظر إلى بنائه حتى وقف أمام القبر الشريف والتفت إلى عمر بن عبد العزيز وقال: أمعه أبو بكر وعمر؟
... قال عمر: نعم.
... قال: فأين أمير المؤمنين عثمان؟
... قال عمر: فالله أعلم أنى لظننت لأنه لا يبرح حتى يخرجهما.
... فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس كانوا حين قتل عثمان في فتنة وشغل، فذاك الذى منعهم من أن يدفنوه معهم، فسكت (2).
مساحة المسجد في عهد الوليد
... ذكر محمد بن جعفر بن وردان البناء قال: رأيت الرسول الذى بعثه الوليد بن عبد الملك قدم في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، قدم معتمرا، فقال الناس: ما قدم به الرسول!
... فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد يأمره بإدخال حجرات أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد رسول الله، وأن يشترى ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتى ذراع، ويقول له: قدم القبلة إن قدرت، وأنت تقدر المكان أخوالك، فإنهم لا يخالفونك.
__________
(1) المصدر السابق ص 524.
(2) تاريخ الأمم والملوك جـ 6 ص 435.