نعم، إن هذه المحاريب لم تعرف في المساجد حتى أدخلها عمر بن عبد العزيز في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمارة الوليد بن عبد الملك، وليس معنى هذا أن الكلمة غير عربية وقد ادعى بعض المستشرقين أن المحراب بهذه الصفة التى وجدت في المسجد النبوى في عمارة الوليد قد أخذت من الكنائس، وأثاروا حول ذلك ضجة مفتعلة لا مبرر لها، لأن هذه الحنية قد وجدت في العمارة الرومانية قبل المسيح، وقد أخذها المسيحيون عنهم (1) وبنوها في كنائسهم دون أن يحدث أحد مثل هذه الضجة، فلا غضاضة أن يتخذها منهم المسلمون، فإن الحضارة ليست حكرا على جيل معين من البشر، ولكنها مشاع يستفيد منها كل من لديه القدرة على تطويرها وإبرازها في صورة ملائمة للعصر الذى تستعمل فيه.
... ولا شك أن المسلمين قد استطاعوا تطوير المحاريب حين استعملوها في المساجد فزينوها بالنقوش العربية، وزخرفوها بالآيات القرآنية، وأبرزوها في صورة إسلامية خالصة، وجعلوها في صدور المساجد، لأنها المكان المناسب لمعنى كلمة المحراب لغويا، ولتكون علامة مميزة لاتجاه القبلة التى يجب على كل مصل استقبالها في الصلاة، حتى إنه لو اتجه إلى غيرها لم تصح صلاته.
... وأول ما عرف المحراب في المساجد بهذه الصفة في عمارة الوليد للمسجد النبوى الشريف، يقول السمهودى: أسند يحيى عن عبد المهيمن بن عباس عن أبيه قال: مات عثمان وليس في المسجد محراب ولا شرفات، فأول من أحداث المحراب والشرفات عمر بن عبد العزيز (2).
... ويقول الاستاذ صالح مصطفى: أما النصوص الواضحة والصريحة والمؤكدة في المصادر التاريخية فتشير بوضوح إلى أن المحراب المجوف الأول كان في المسجد النبوى بالمدينة في عمارة الوليد الأموية 88 - 91هـ/ 707 - 10م، وأن المثال الثاني كان في عمارة الوليد الأموية على يد قرة بن شريك 92 - 4هـ - 710 - 12 م بجامع عمرو بن العاص بالفسطاط (3).
__________
(1) المصدر السابق ص74.
(2) وفاء الوفا جـ2 ص525.
(3) المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعمارى ص75.