كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

يقول الدكتور محمد الطيب النجار في مذكراته (محمد رسول الله) (ولم يكن المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانا للصلوات الخمس وصلاة الجمعة فحسب، ولكنه كان مدرسة للتعليم والتهذيب أستاذها ومعلمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلابها هم أصحابه الأبرار ـ رضوان الله عليهم ـ وكان محكمة للقضاء بما أنزل الله يفصل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من ينيبه بين المتخاصمين، وكان دارا للشورى يتداول فيها الرسول والمسلمون في أخص شئونهم وأمورهم، وكان مركزا لقيادة الجيش تعقد فيه الألوية للرؤساء والقواد ويزودون بالنصائح والتعليمات، وكان نزلا لاستقبال الوفود والرسل الذين توجههم الدول للقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهكذا كانت رسالة المسجد في ذلك الوقت رسالة خير وتهذيب وإصلاح) (1).
هل أدى المسجد رسالته؟
يمتاز الإسلام بأنه دين يبرز نظرياته دائما إلى حيز التطبيق العملى، فليس في الإسلام نظريات تبقى فلسفة في العقول، أو تعيش قابعة في زوايا النفس وحنايا الأضلع، بل إن النظريات التي أتى بها الإسلام، لا يمكن أن يطلق عليها اسم الإسلام إلا اذا برزت إلى حيز العمل وطبقت عمليا في حياة الناس.
فنظرية الصلاة هي الخشوع لله تعالى وإظهار الانقياد له، وصلة القلب به، وتعلق النفس بجلاله ويمكن أن تظل هذه الفلسفة ترتع فيها العقول، وتهيم فيها القلوب، ولكنها حينئذ لا تكون الصلاة الاسلامية إلا اذا طبقت عمليا بالاتيان في أوقاتها وبهيئتها المعروفة التي قررها الإسلام.
ونظرية الصيام قائمة على أساس المراقبة لله تعالى ـ وترويض النفس على الصبر وتحمل المشاق حتى تتولد في النفس التقوى والخضوع لله عز وجل ـ ويمكن أن تظل هذه أيضا ـ فلسفة لا تتجاوز نطاق العقل، ولا تخرج عن حيز الفكر ولكنه لا يكون الصوم الذي فرضه الإسلام إلا إذا كانت المراقبة مكتسبة من ترك الطعام والشراب والشهوة لله ـ تعالى ـ وترويض النفس على الصبر والتحمل ناشئ عن ذلك حيث تكون التقوى نتيجة طبيعية للمراقبة.
وهكذا جميع الفرائض التي فرضها الله على المسلمين لا بد أن تطبق عمليا في حياة
__________
(1) مذكرات في التاريخ الاسلامى ص 73.

الصفحة 13