كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ
كل مسلم حتى تكون هي العبادات الإسلامية التى يريدها الله ورسوله. وتتأثر بها القلوب والنفوس، وتؤتى ثمارها في واقع المسلمين.
وعندما يريد الإسلام للمسجد أن يكون مدرسة يتخرج فيها العلماء، ومقر قيادة تنجب عظماء القواد، ومعبدا يتحنث فيه الأتقياء، ودار قضاء تحكم بين الناس بما أنزل الله تعالى ومقرا للحاكم يستقبل فيه الضيوف والنزلاء، ودارا لمجلس الشورى يتناول فيه ما يهم المسلمين بالمناقشة والتمحيص، عندما يريد الإسلام للمسجد أم يكون كذلك، فلا بد أن يكون كذلك، وإلا فلن يكون هو مسجد المسلمين ومن اجل هذا حرص المسلمون على أن يؤدى المسجد رسالته، وأن يكون كما أراده الإسلام فكان مدرسة تلامذتها أصحاب رسول الله - رضى الله عنهم أجمعين ـ وأستاذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يجلس إليهم بعد الصلاة يعلمهم ويزكيهم ويناقشهم ويريبهم. عن صفوان بن عسال المرادى ـ رضى الله عنه ـ قال: أتيت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، فقلت له: يا رسول الله، إنى جئت أطلب العلم، فقال: (مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب.) (1).
ولئن كان حضور هذه الدروس تطوعا من القوم فإن هناك درسا إجباريا يلقى عليهم في كل جمعة، على كل مسلم أن يسعى إليه، وأن يبكر في الحضور ليكتب مع السابقين وذلك الدرس هو خطبة الجمعة قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) (2).
وكان المسجد مأوى الغريب ونزل الضيف ومجلس الضعفاء روى صاحب مختصر السيرة قال: (وكان في مؤخر المسجد موضع مظلل يأوى إليه المساكين يسمىّ (الصفة) وكان عليه السلام يدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابه، وتتعشى طائفة معه) (3).
وفي سمط النجوم العوالى، قال الحافظ بن حجر: (الصفّة مكان مؤخر المسجد مظلل أعد لنزول الغرباء، ومن لا مأوى له فكانوا يكثرون فيه تارة،
__________
(1) الترغيب والترهيب الجزء الأول ص 42 مطبعة صبيح. (2) سورة الجمعة الآية» 9 «.
(3) مختصر السيرة ص 178 المطبعة السلفية.
الصفحة 14
216