واستمر السمهودى في وصف الحريق حتى قال: وأمر هذه النار عجيب، وليس الخبر كالمعاينة، وصار المسجد كالتنور ولم يمض إلا أقل من عشر درج، وقد استولى الحريق على جميع سقف المسجد وحواصله وأبوابه وما فيه من خزائن الكتب والربعات والمصاحف، غير ما وقعت المبادرة لإخراجه أولا وهو يسير، وغير القبة التى بصحن المسجد (1).
البدء في عمارة المسجد
... وكتب أهل المدينة إلى السلطان قايتباى بعد الحريق بثلاثة أيام _ أى في اليوم السادس عشر من شهر رمضان _ (2) ولم تكن أنباء ذلك الحريق المروع تصل الى السلطان في مصر حتى عظم ذلك عليه، وأصدر أوامره على الفور بالمبادرة في تعمير المسجد الشريف، وأرسل الأمير سنقر الجمالى مع الفوج الأول من الحجاج، وأرسل معه مائة صانع من البنائن والنجارين والنشارين والدهانين، والحجارين والنحاتين والحدادين والمرخمين وغيرهم، وأرسل معهم كثيرا من الجمال والحمير ليستغنوا بها عن العمل ونقل المواد، كما بعث مع الأمير مبلغا من المال قدره عشرون ألف دينار، وشرع في تجهيز الآلات والمؤن حتى كثرت في الطور والينبع والمدينة الشريفة.
... ثم جهز المسئول عن العمارة بالمدينة شمس الدين بن الزمن في ربيع الأول ومعه أكثر من مائتى جمل ومائة حمار، وأكثر من ثلاثمائة من الصناع أهل الصنائع الأولى وغيرهم من الحمالين والمبيضين والسباكين والجباسين، وصرفوا لهم بعض أجرهم قبل سفرهم وتوالت أحمال المؤن برا وبحرا، وبدأوا في العمل بالعمارة بجد ونشاط.
... وبدأ العمل بهدم المنارة الرئيسية التى أصابتها الصاعقة، وكذلك هدموا جدار القبلة والحائط الشرقى إلى باب جبريل والحائط الغربى إلى باب الرحمة، وأعادوا بناء ذلك، وزادوا في عرض الحوائط، ووسعوا المحراب العثمانى، وسقفوا مقدم المسجد سقفا واحدا، بعد أن قصروا الأعمدة، وبنوا عليها عقودا من الطوب المحروق (الآجر) ووضعوا فوقها أخشاب السقف، وبلغ ارتفاع السقف من
__________
(1) المصدر السابق ص635.
(2) المصدر السابق ص 636.