واشترى أماكن في مصر تدعيما لهذا الوقف، وكان حاصل هذه الأوقاف سبعة آلاف وخمسمائة أردب من الحب في كل سنة (2) فكان يعمل منه السماط، ويصرف منه كفاية أهل البيوت بالمدينة، وكان ذلك في السنة التى انتهت فيها عمارة المسجد سنة ثمان وثمانين وثمانمائة هجرية.
... وفى سنة تسع وثمانين وثمانمائة أرسل السلطان قايتباى الدهانين من مصر ليمحوا ما كان في سقف المسجد من الدهان بالنيلة وإبداله بالاّزْورْد، وكذلك بعث بهاء الدين أبا البقاء ابن الجيعان، فوصل المدينة في اليوم السابع من ذى القعدة، ومعه احمال من كتب العلوم الشرعية موقوفة على المدرسة الأشرفية التى سبقت الاشارة إليها، وأحمال كثيرة من الحب والدقيق والقدور والنحاس التى خصصت للسماط السابق الذكر وأحضر معه الآلات الخاصة بالعمارة لإكمال المدرسة والرباطين، وقرر أمر السماط فصرف لكل شخص من المقيمين من الحب ما يكفيه على حسب عدة عياله، لكل نفر سُبع أردب مصرى، وسوّى في ذلك بين الصغير والكبير، والحر والعبد.
... وجعل للآفاقيين _ أى الذين يفدون إلى المدينة من نواحى الأرض _ والمراد غير المقيمين ما يكفيهم من الخبز وطعام الجيشيشة في كل يوم (1).
... هذا وقد بلغت نفقة تلك العمارة على المسجد النبوى والمدرسة وتوابعها من الأربطة قبل أن تتم العمارة كاملة مائة وعشرين ألف دينار (2).
... وانتهت عمارة الحرم الشريف في رمضان سنة 888هـ _ أواخر اكتوبر 1483 م هكذا كان اهتمام السلاطين المماليك بالحرم النبوى الشريف سواء كان ذلك من ناحية العمارة أم من ناحية الزخرفة والعناية.
... وقد لاحظنا أن هذا الاهتمام قد أدى إلى إحداث أشياء لم تكن موجودة في المسجد قبل عهدهم كإحداث المقصورة حول القبر الشريف، وإنشاء القبة فوقه وتسقيف المسجد بالقباب في بعض نواحيه بدلا من السقف المعروف في ذلك الحين وإدخال فنون من العمارة في المنارات والطاقات والشرفات.
__________
(1) المصدر السابق ص 644، ويعلق السمهودى على هذه الأعمال العظيمة، بقوله: ولم يكن في المدينة الشريفة حمام قبل ذلك من مدة مديدة وكذا الطاحون، وإنما يستعملون الارحاء التى تدار باليد.
(2) وفاء الوفا جـ2 ص 645 والجيشيشة طعام يصنع من البر المجشوش _ المطحون _
(1) المصدر السابق ص 645.
(2) المدينة المنورة تطورها العمراني ص 85.