ولم تكن عناية السلاطين بالحرم النبوى فحسب، ولكنهم أولوا أهل المدينة النبوية عناية كبيرة لمجاورتهم للجناب الحبيب- صلى الله عليه وسلم - فأنشأوا المدارس، فتحوا الأربطة، وأجروا الصدقات، وبعثوا الأرزاق، وبنوا المطابخ والطواحين وأقاموا سقايات الماء، وضاعفوا اهتمامهم بذلك حتى بلغوا به زوار المدينة من الآفاقيين وأبناء السبيل، فجزاهم الله عن المدينة وساكنها وأهلها خير الجزاء.
إحصاء لما في المسجد من الأساطين والمرافق
... وهذه إحصاءات لما كان بالمسجد الشريف من الأساطين والبالوعات والسقايات والمستودعات والقناديل، وسنكتفى في هذا الاحصاء بما كان عليه المسجد في عهد السلطان الأشرف قايتباى الذى قام بعمارة المسجد والعناية به بعد الحريق الثانى، وهى العمارة الأخيرة في عهد دولة المماليك مع ذكر ما كان فيه بإيجاز.
... الأعمدة: وكان في المسجد الشريف ثلاثمائة وخمس اسطوانات _عامود_، وقد وصف ابن جبير هذه الأعمدة فقال: أعمدة متصلة بالسمك _السقف_ دون قسي ينعطف عليها، فكأنها دعائم قوائم وهى من حجر منحوت قطعا ململمة مثقبة، توضع أنثى من ذكر، أى بأعمدة الحديد، ويفرغ بينها الرصاص إلى أن يتصل عمودا قائما، ويُكسى بغلالة جيَّار، ويبالغ في صقلها ودلكها فتظهر كأنها رخام أبيض (1).
... وأما أعمدة البالوعات فقد كان به أربع وستون بالوعة لماء المطر، ولكنه في عهد السمهودى لم يكن به سوى بالوعة واحدة ذات فوهتين، إحداهما إلى جهة القبلة والثانية إلى جهة الشام ويجتمعان في بئر واحدة، وعلى كل فوهة حجر كالرحا، وأسفل الحجرين مشبك _شبك_ يدخل الماء من خلاله ليمنع نزول الحصباء (2).
... وأما السقايات فقد وردت بمعنى الميضأة وقال فيها ابن النجار: وأما الآن
__________
(1) رحلة ابن جبير ص171 والجيار _الجير_ النورة واخلاطها والقسى العقود.
(2) رحلة ابن جبير ص171 والجيار _الجير_ النورة واخلاطها والقسى العقود.