كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ
بسم الله الرحمن الرحيمالمقدمة
... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أن وطئت قدماه الشريفتان أرض
المدينة المنورة على أن يؤسس مسجدا يقيم فيه المسلمون شعائر دينهم، ويخلون فيه
لعبادة ربهم، فلم يكد يصل إلى قباء حتى وضع أساس مسجد قباء، فلما انطلق إلى المدينة لم يدخل بيتا، ولم ينزل مكانا حتى حدد موضع مسجده الشريف فكان ذلك إيذانا باهتمام الإسلام بعمارة المساجد.
... ولم يزل هذا المسجد منذ أسس على التقوى من أول يوم (1) منهلا عذبا، ومصدرا ثرًّا للهدى والرشاد ومحط آمال تهفو إليه قلوب المسلمين، وتتجه إليه أفئدتهم من كل صوب، ويشدون إليه الرحال ويقصدونه على كل حال، يروون ظمأهم بالصلاة فيه ويعيشون في رحاب الجنة جالسين في روضته الشريفة ويطفئون لهبهم بالمثول إلى جوار الحضرة المنيفة.
... وقد مر هذا المسجد المبارك بأطوار تستحق من المؤرخين الاهتمام به، والتأريخ له، وزيادة العناية بالكتابة عنه، ولقد كتب كثير من المؤرخين عن المدينة المنورة، وأردوا لها كتبا، ولكن حظ المسجد منها كان نزرا، ونصيبه كان يسيرا، فكان ذلك أحد الدوافع لتخصيص المسجد الشريف ببحث خاص، أجمع فيه كل ما يتصل بالمسجد من بطون الكتب، وحنايا المكتبات، وإنك لا تكاد تجد بين دفتى الكتاب الضخم سوى نتف لا تنقع غلة، ولا تبل صدى، ونكاد نتوه بين روايات لا نكاد نأتلف حتى نختلف، ولا توشك أن تتألق حتى نفترق.
__________
(1) روى مسلم- رحمه الله- في صحيحه عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بى عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدرى - رضى الله عنهم - قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذى أسس على التقوى؟
قال: قال أبى: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت بعض نسائه، فقلت يا رسول الله، أى المسجدين الذى أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة قال فقلت: أشهد بأنى سمعت أباك هكذا يذكر.
