كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

وأما الدافع الثاني فهو مجاورتي للمسجد الشريف، وإقامتى في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان حقا على بذل الجهد، ومضاعفة الطاقة لأؤدى واجبا لزمنى بهذه المجاورة وتلك الإقامة.
... وأما ثالث الدوافع فإنى قد عزمت على كتابة تاريخ المدينة منذ نشأتها وحتى عصرها الحاضر، وخشيا أن يكون حظ المسجد عندى كحظه عند غيرى، جزءا من كتاب، أو فصلا من مؤلف.
... اجتمعت هذه الدوافع لدى فأحسست برغبة جامحة في تخصيص جزء من الموسوعة للمسجد العظيم خرَّج فطاحل العلماء، وعباقرة القواد، ورواد الحضارة، في وقت كان العالم كله بغير استثناء يتطلع إلى منقذ يمد له يد العون ليخلصه مما تردى فيه من الفساد والتدهور والانحطاط.
... والتزمت خطة أثناء الكتابة تتلخص فيما يلي:-
1 - إذا اجتمعت الروايات على رأى واحد، ولم يكن بينهما وبين واقع المسجد خلاف كان لزاما علي أن آخذ بها، ولا أخرج عن مضمونها.
2 - إذا اجتمعت الروايات على رأى واحد، ولكنها اختلفت مع واقع المسجد ـ كما ذكرت الروايات أن عرض المسجد في عهد عثمان ـ رضى الله عنه ـ بلغ مائة وخمسين ذراعا، ووجدت أن ذرعة المسجد حتى يومنا هذا لم تبلغ تلك الذرعة ـ كان لزاما علي أن أسلك السبل التى تؤدي إلى الواقع مستندا إلى تقديرات الفنيين المطابقة لواقع المسجد.
وسيلاحظ القارئ الكريم أني قد اعتمدت في القياس روايات صحت عند كثير من المؤرخين وإن لم يأخذ بها بعض المؤرخين، وتسبب عن ذلك اختلاف بينى وبين بعض المؤرخين القدامى منهم والمحدثين في قياسات المسجد، ولكني التقيت معهم في النهاية، فيكاد المؤرخون يجمعون على أن مساحة المسجد قبل التوسعة السعودية 10303 م2 عشرة الآف وثلاثمائة متر وثلاثة أمتار، وكانت مساحة المسجد حسب القياسات التي قدمتها 10342 م2 عشرة الآف وثلاثمائة متر واثنين وأربعين مترا مربعا، وهكذا يكون الفرق بين قياسات المؤرخين والقياسات التى وصلت إليها لا تزيد عن 39 م2 تسعة وثلاثين مترا مربعا، وهي زيادة طفيفة بالنسبة لمساحة المسجد الضخمة، والتى اعتمد فيها المؤرخون على القياس بالذراع، ويختلفون بعد ذلك في الذرعة وفي طول الذراع.

الصفحة 4