كتاب المسجد النبوي عبر التاريخ

نقل السمهودى عن طبقات ابن سعد أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ قالوا: (يا رسول الله، إن الناس قد كثروا، فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت، قال - صلى الله عليه وسلم -: ما شئتم) (3).
... وفى بعض الروايات: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين أصحابه فيجئ الغريب، فلا يدرى أيهم هو، فطلبنا إليه ان نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه) (4).
.. وهذه الرواية تدل على أن المنبر كان أول ما صنع دكة من طين، كان - صلى الله عليه وسلم - يجلس عليها ليعرفه الغريب، ويخطب عليها يوم الجمعة، وفي المناسبات، ويؤيد ذلك ما جاء في حديث الإفك، فقد روى البخارى في صحيحه قالت عائشة: (فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر عبد الله بن أبيّ وهو على المنبر. وجاء في آخر الحديث،
قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر) (1).
... والمعلوم أن حديث الإفك كان بعد غزوة بنى المصطلق - أى سنة خمس من الهجرة - والمنبر الخشب لم يتخذ إلا بعد سنة سبع كما حققته كتب السيرة والتاريخ، وقال صاحب المواهب اللدنية: (وجزم بن سعد بأن عمل المنبر كان في السنة السابعة، وقال: وعن بعض اهل السير أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذى من خشب) (2).
... وقد عارض ابن حجر هذه الرواية بعد أن ذكرها حيث قال: (حكى بعض أهل السير أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب على منبر من طين قبل ان يتخذ المنبر الذى من خشب ويعكر عليه ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب) (3).
وكأن السمهودى لم يرض بهذا الاعتراض، ولم يقره، فراح يلتمس التوفيق،
ويزيل التعكير ويصفى الروايات محاولا الجمع بينها: (يحتمل ان ذلك المنبر المتخذ
__________
(3) وفا الوفا الجزء الثاني ص 396 تحقيق محيى الدين عبد الحميد.
(4) المرجع السابق ص 398.
(1) مختصر سيرة الرسول ص 270 المطبعة السلفية.
(2) المواهب اللدنية الجزء الأول ص 71 المطبعة الشرقية.
(3) وفا الوفا الجزء الثاني ص 397 تحقيق محى الدين عبد الحميد.

الصفحة 42