كتاب نفائس الأصول في شرح المحصول (اسم الجزء: 7)

وجد، لتوفرت الدواعي على نقله، على سبيل التواتر: إما لتعلق الدين به؛ كأصول الشرع، أو لغرابته؛ كسقوط المؤذن من المنارة، أو لهما جميعًا؛ كالمعجزات، ومتى لم يوجد ذلك، دل على كذبه، والخلاف فيه مع الشيعة؛ فإنهم جوزوا في مثل هذا الشيء ألا يظهر لأجل الخوف والتقية.
لنا: لو جوزنا ذلك، لجوزنا أن يكون بين البصرة وبين بغداد بلدة أعظم منهما، مع أن الناس ما أخبروا عنها، ولجوزنا أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوجب عشر صلوات، لكن الأمة ما نقلت إلا خمسة، ولما كان ذلك باطلًا، فكذا ما أدى إليه، فإن قيل: هذا الكلام ظلم؛ لأن العلم بعدم هذه الأمور: إما أن يكون متوقفًا على العلم بأنه لو كان، لوجب نقله، أو لا يكون متوقفًا عليه:
فإن كان الأول: وجب أن يكون الشاك في الأصل شاكًا في هذه الفروع؛ لكن الناس، كما يعلمون بالضرورة وجود بغداد والبصرة، يعلمون بالضرورة عدم بلدة بينهما أكبر منهما، والعلم الضروري لا يكون متوقفًا على العلم النظري.
وإن كان الثاني: فحينئذ: العلم بعدم هذه البلدة غير متوقفٍ على العلم بأنها، لو كانت، لنقلت؛ فلا يلزم من عدم هذا عدم ذاك.
سلمنا توقف العلم بعدم هذه الأمور على العلم بأنها، لو كانت، لنقلت؛ لكن ما ذكرتموه مثال واحد، ولا يلزم من حصول الحكم في مثال واحد على وفق قولكم حصوله في كل الصور على وفق قولكم، فإن قستم سائر الصور على هذه الصورة، فقد بينا أن القياس لا يفيد اليقين؛ لاحتمال أن يكون ما به فارق الأصل الفرع- شرطًا في الأصل، أو مانعًا في الفرع.

الصفحة 2881