كتاب نفائس الأصول في شرح المحصول (اسم الجزء: 7)

فلما لم يمتنع ذلك، علمنا فساد تلك المقدمة، وإذا فسدت تلك المقدمة، بطل القول بالقياس.
وأما الذين منعوا من القياس في كل الشرائع، فقد عرفت أنهم ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: الذين أنكروا كون القياس طريقًا إلى الظن، وهؤلاء قد تمسكوا بوجوه:
أحدها: أن البراءة الأصلية معلومة، والحكم الثابت بالقياس، إما أن يكون على وفق البراءة الأصلية، أولاً على وفقها: فإن كان على وفقها، لم يكن في القياس فائدة، وإن كان على خلافها، كان ذلك القياس معارضًا للبراءة الأصلية؛ لكن البراءة الأصلية دليل قاطع، والقياس دليل ظني، والظني إذا عارض اليقيني كان الظني باطلاً؛ فيلزم كون القياس باطلاً.
وثانيها: أن القياس لا يتم في شيء من المسائل، إلا إذا سلمنا أن الأصل في كل شيء بقاؤه على ما كان؛ إذ لو لم يثبت ذلك، فهب أن الشارع أمر بالقياس، ولكن كيف يعرف أنه بقي ذلك التكليف، وإذا نص على حكم الأصل، فكيف يعرف أن ذلك الحكم باقٍ في هذا الزمان؛ فثبت أن القياس لا يتم إلا مع المساعدة على هذا الأصل.
إذا ثبت ذلك، فنقول: الحكم المثبت بالقياس: إما أن يكون نفيًا أو إثباتًا: فإن كان نفيًا، فلا حاجة فيه إلى القياس؛ لأنا علمنا أن هذا الحكم، كان معدومًا في الأزل، والأصل في كل أمر بقاؤه على ما كان، فيحصل لنا الظن ذلك العدم، فيكون إثبات ذلك الظن بالقياس مرة أخرى عبثًا.
فإن قلت: (ثبوته بدليل لا يمنع من ثبوته بدليل آخر).

الصفحة 3174