كتاب نفائس الأصول في شرح المحصول (اسم الجزء: 8)

واعلم أن الكلام في تقرير هاتين المقدميتن مأخوذ من الفلاسفة؛ فإنهم زعموا أن العلم بالعلة علة للعلم بالمعلول، فعلى هذا: كل ما كان علة للقبح، يلزم من العلم به العلم بالقبح.
وزعموا أن العلم اليقيني بوجود المعلول لا يحصل إلا من العلم بعلته، فلما لزم الجزم بالقبح عند العلم بكونه أمرا بالتكليف المحال، علمنا أن علة القبح ذلك، ولكنا قد نقلنا في كتبنا الكلامية دلائلهم على هاتين المقدمين، وبينا ضعفهما وسقوطهما، فلا نعيدهما ها هنا، وبالله التوفيق.
القسم الثالث
في مباحث الحكم والأصل والفرع وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول [في مباحث الحكم]
قال القرافي: قوله: يجوز أن يكون خصوص المحل شرطا، ومع الاحتمال فلا يقين):
قلنا: قد يقطع الناظر بعدم اعتبار خصوصيات المحل عادة، وشرطا، وعقلا.
أما العادة: فلأنا نعلم أن زيدا إنما احترقت خشبته بهذه النار لكونها نارا، وأن خصوصها، وخصوص الخشبة لا مدخل له في الإحراق.
وأما شرعا: فلأنا نقطع أن هذا الزاني إنما رجم لما صدر منه من مفهوم الزنا المشترك بينه وبين غيره من الزناه، وأن خصوص زناه غير معتبر.
وأما عقلا: فلأنا نقطع أن المحل إنما يصير أسود، أو أبيض، أو عالما، لأصول هذه المعاني دون شخصياتها، وهذا أمر ضروري عند العقل، فتحصيل اليقين ليس عسرا، بل كثير جدا. نعم بعض المواطن لا يحصل فيه اليقين، وذلك لا يقدح في حصول اليقين في البعض الآخر.

الصفحة 3582