كتاب نفائس الأصول في شرح المحصول (اسم الجزء: 8)

وعن الثاني: أن ورود الناقل بعد ثبوت حكم الأصل ليس بنسخ؛ لأن دلالة العقل مقيدة بشرط عدم دليل السمع، فإذا وجد، فلا يبقى دليل العقل؛ فلا يكون دليل السمع مزيلا لحكم العقل، بل مبينا لانتهائه؛ فلا يكون ذلك خلاف الأصل.
وأيضا: فما ذكرتموه معارض بوجه آخر، وهو: أنا لو جعلنا المبقي مقدما، لكان المنسوخ حكما ثابتا بدليلين: دليل العقل، ودليل الخبر؛ فيكون هذا أشد مخالفة؛ لأنه يكون ذلك نسخا للأقوى بالأضعف؛ وهو غير جائز.
وأما على الوجه الذي قلناه، فلا يكون المنسوخ إلا دليلا واحدا.
فرع: فإن قيل: أفتجعلون العمل بالناقل؛ على ما ذكره الجمهور، أو بالمقرر؛ على ما ذكرتموه في باب الترجيح؟! قلنا: قال القاضي عبد الجبار: إنه ليس من باب الترجيح، واستدل عليه بوجهين: الأول: أن نعمل بالناقل على أنه ناسخ، والعمل بالناسخ ليس من باب الترجيح.
الثاني: أنه لو كان العمل بالناقل ترجيحا، لوجب أن يعمل بالخبر الآخر لولاه؛ لأن هذا حكم كل خبرين رجحنا أحدهما على الآخر، ومعلوم أنه لولا الخبر الناقل، لكنا إنما نحكم بموجب الخبر الآخر؛ لدلالة العقل، لا لأجل الخبر.
ويمكن أن يجاب عن الأول: بأنا لا نقطع في الأصول بأن الناقل عن حكم الأصل متأخرا وناسخ، وإنما نقول: الظاهر ذلك، مع جواز خلافه؛ فهو إذن: داخل في باب الأولى؛ وهذا ترجيح.
وعن الثاني: أنه لولا الخبر الناقل، لعلمنا بموجب الخبر الآخر لأجله، إلا

الصفحة 3724