كتاب نفائس الأصول في شرح المحصول (اسم الجزء: 2)

والمفرد أيضا، فإن الإنسان إذا قال: (الحائط يريد أن يقع مع أن الجدار لا يريد، أو فلان أسد، أو حمار مع أنه ليس كذلك، فهو غير مطابق، فينبغي أن يفرق بينه وبين الكذب، إذ لا معنى للكذب إلا عدم المطابقة.
قوله: (الفرق بينهما هو القرينة).
قلنا: المجاز قد يعري عن القرينة، ويكون مع الكذب القرينة، فيلزم أن يكون الكذب مجازا، والمجاز كذبا لما ذكره من الفرق.
أما عرو المجاز فلأن المتكلم قد يقصد الإلغاز، والإلباس على السامع، فإنه من مقاصد العقلاء، فيتجوز، ولا يبدي قرينة أو تكون حقيقة لا يفهمها السامع، ولا يخل ذلك بحقيقة المجاز، فإن المجاز إنما يشترط فيه العلاقة وهي لابد منها، أما القرينة فهي شرط في فهم السامع المجاز، لا في حقيقة المجاز.
وأما اقتران القرينة بالكذب، فإن الإنسان إذا قال: أنا أقدر على إزالة الشمس من الفلك، وشرب البحر الملح، وغير ذلك مما يعلم أو يظن أنه كذب، لقرينة حالة تعجزه عن ذلك، أو دلالة الدليل العقلي، أو الشرعي، أو العادي على كذبه، قطعنا بكذبه لأجل القرينة، فلا يمكن أن تجعل القرينة هي الفارق المميز، فإنه يؤدي إلى خلط الحقائق، بل الفارق أن الكاذب لفظه ليس مطابقا لما استعمله فيه، كان حقيقة أو مجازا، والمتجوز لفظه مطابق لما استعمله فيه، كانت معه قرينة أم لا.
بيان أن الكذب كذلك: أن من قال: الواحد نصف العشرة، فهو مستعمل لفظه فيما فهم عنه، وهو غير مطابق، ولفظه هذا حقيقة لغوية، وإذا قال: فلان أسد، وفلان في غاية الجبن، وقلة الشجاعة كان كذبا؛ لأنه استعمل لفظه في معنى المبالغة في الشجاعة، وهو غير مطابق، فظهر أن الكذب إنما يكون عن عدم المطابقة في الحقيقة والمجاز.

الصفحة 919