كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 28)

وحجة من أجاز المعصفر والمصبغ بالحمرة للرجال: حديث الباب، والذين كرهوه للرجال اعتمدوا على حديث عبد الله بن عمرو أنه - عليه السلام - أغلظ القول له في الثياب المعصفرات، والذين لم يروا بامتهانه بأسًا وكرهوا لبسه قالوا: إنما ورد الخبر بالنهي عن لبسه دون امتهانه وافتراشه، وقالوا: لا يعدي بالنهي عن ذلك موضعه، وهو عجيب.
والذين رخصوا فيما خفت حمرته احتجوا بحديث قيلة أنها قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: فرأيته قاعدًا القرفصاء وعليه أسمال (ملائتين) (¬1) كانتا بزعفران قد نفضتا (¬2).
قال الطبري: والصواب عندنا أن لبس المعصفر وشبهه من الثياب المصبغة بالحمرة وغيرها من الأصباغ غير حرام، بل مباح، غير أني أجب للرجال توقي لبس ما كان مشبعًا صبغة، وأكره لهم لبسه ظاهرًا فوق الثياب لمعنيين:
ما روي في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكراهة.
ولأنه شهرة، وليس من لباس أهل المروءة في زمننا هذا.
وإن كان قد كان من لباس كثير من أهل الفضل الذين قبلنا، فإن الذي ينبغي للرجل أن يتزَّيا في كل زمان بزي أهله ما لم يكن إثمًا، لأن مخالفة الناس في زيهم ضرب من الشهرة، ويكون الجمع بين الحديثين أن لبسه - عليه السلام - للحمرة؛ ليعلم أمته أن النهي عنه لم يكن للتحريم، وإنما هو للكراهة، إذ كان الله قد ندب أمته إلى الاستنان به (¬3).
¬__________
(¬1) كذا في الأصول، وفي المتون: مُلَيَّتَيْن.
(¬2) رواه الترمذي (2814)، وضعفه الألباني في "مختصر الشمائل" (53).
(¬3) "شرح ابن بطال" 9/ 121 - 123.

الصفحة 27