كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 28)

وهذِه الرواية تقوي ما في رواية ابن السكن إن كان حفظه.
ورواه ابن عيينة عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة عند البخاري أيضًا.
قال النسائي: كلاهما محفوظ. وحديث أبي سلمة أشهرهما (¬1).
قال الخطابي: كانت الجاهلية تضيف النصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو مر الليل والنهار. وهم في ذَلِكَ فرقتان: فرقة لا تؤمن بالله ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار، اللذين هما محل للحوادث وطرق لمساقط الأقدار، تنسب المكاره إليه على أنها من فعله، ولا ترى أن لها مدبرًا غيره، وهذِه الفرقة هم الدهرية الذين حكى الله عنهم في قوله: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]. وفرقة ثانية تعرف الخالق وتنزهه أن تنسب إليه المكاره فتضيفها إلى الدهر والزمان، وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه، فيقول القائل منهم: يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر فقال - عليه السلام - لهم مبطلًا ذَلِكَ: "لا يسبن أحدكم الدهر".
فالله هو الدهر يريد -والله أعلم-: لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنع بكم، فإن الله هو الفاعل له، فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السب إلى الله وانصرف إليه.
ومعنى قوله: "أنا الدهر". أي: أنا ملك الدهر ومصرفه، فحذف اختصارًا للفظ واتساعًا في المعنى. وبيان هذا في حديث أبي هريرة من حديث هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عنه رفعه: "يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: أنا الدهر بيدي الليل والنهار (أجده) (¬2)
¬__________
(¬1) "تقييد المهمل وتمييز المشكل" 2/ 736 - 737.
(¬2) كذا بالأصل وفي "المسند": (أجددها).

الصفحة 599