كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 28)

و (أقلبه) (¬1)، وأذهب بالملوك وآتي بهم" (¬2).
وروى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: "يقول الله: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدهر أقلبه ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما" (¬3).
وقال النحاس: يجوز فيه نصب الراء من قوله: "فإن الله هو الدهر". والمعنى: فإن الله مقيم الدهر أي: مقيم أبدًا لا يزول، ولما قال ابن الجوزي: كان أهل الجاهلية يرون أن الدهر هو مهلكهم ولا يرونها من الله، كان أبو بكر بن داود يرويه: "أنا الدهر" بفتح الراء منصوبة على الظرف أي أنا طول الدهر بيدي الأمر. قال: وهو باطل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه خلاف ضبط المحدثين المحققين.
ثانيها: أنه ورد بألفاظ صحاح تبطل تأويله، منها ما عند البخاري: "لا تقولوا: يا خيبة الدهر".
ثالثها: لو كان بالضم كان اسمًا من أسمائه تعالى، يقتضي أن يكون علة النهي لم تذكر؛ لأنه إذا قال: "لا تسبوا الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار" كأنه قال: لا تسبوا الدهر فأنا أقلبه. وتقليبه الأشياء لا يمنع ذمها، وإنما يتوجه الأذى في قوله: ("يؤذيني ابن آدم") على ما أشرنا إليه ولم يكن ابن داود من الحفاظ ولا من علماء النقل.
¬__________
(¬1) في (ص2): أبليه.
(¬2) رواه أحمد 2/ 496 عن ابن نمير، عن هشام بن سعد، به.
(¬3) رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 436 - 437 (20938).

الصفحة 600