كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 28)

عمران: 186] الآيَةَ، وَقَالَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 109] فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا، فَقَتَلَ اللهُ بِهَا مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ، وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايِعُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا. [انظر: 2987 - مسلم: 1798 - فتح 10/ 591]
6208 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ: «نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ». [انظر: 3883 - مسلم: 209 - فتح 10/ 592].
ثم ساق حديث أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ عَلَى قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ .. الحديث بطوله، وموضع الحاجة منه قوله - عليه السلام -: "أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ ". يريد: عبد الله بن أبي
وحديث عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟ .. الحديث.
وهما دالان على ما ترجم له، وهو جواز كنية المشركين على وجه التألف لهم بذلك؛ رجاء رجوعهم وإسلامهم أو لمنفعة عندهم، فأما إذا لم يرج ذَلِكَ منهم فلا ينبغي تكنيتهم، بل يلقون بالأغلاظ والشدة في ذات الله، ألا ترى قوله في الحديث: أنه - عليه السلام - (كان يتأول في العفو عنهم ما أمره الله تعالى به، حَتَّى أذن له فيهم). يعني: أذن له في قتالهم والشدة عليهم، وآيات الشدة والقتال ناسخة لآيات الصفح والعفو، حَتَّى قال مالك: لا أحب أن يرفعوا وينبغي أن يذلوا.

الصفحة 632