كتاب تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري

ينسخ صحفه وينشرها بين الناس إلا نماذج من الأدلة على ذلك التيقظ والصرامة من عمر في وجوه أصحاب الفتن والبدع والأهواء، فقد حسم عمر أمرهما باستدعائهما إليه في المدينة وحَبَسَهما وضَرَبَهُما حتى تابا وأعلنا توبتهما عند ذلك ردَّهما إلى أهلهما ثم منع عمر رضي الله عنه المسلمين من تكليمهما أو الجلوس إليهما وذلك لمدة شهر من الزمان حتى قال الراوي: "ولقد رأيت صبيغ يمشي في البصرة كالناقة الجرباء لايقربه أحد وذلك عزمة أمير المومنين".
هكذا تكون حماية الأمَّة ودينها ومعتقدها من المرجفين وأصحاب البدع والأهواء، وهكذا يكون الحاكم المسلم الحارس الأمين على دين الأمَّة وعقائدها وأخلاقها، رحم الله شهيد المحراب عمر ورضي عنه وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا معه يوم القيامة وذلك بحبِّنا له.
ثم انضم إلى ذلك التآمر المجوسي النصراني: المكر اليهودي على يد ابن سبأ الذي أصبح بعد ذلك أساس كل فتنة في الاسلام، ثم تتابعت الفتن والبدع، فظهرت بدعة القول بالقدر، ثم التجهُّم والرفض فالاعتزال وغيرها.
وعند انتشار هذه الفتن والبدع والأهواء سلكت الأجيال التالية لجيل الصحابة الأخيار من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم من أهل القرون المفضَّلة طرقاً ومجالات أخرى لحفظ السُّنَّة والعناية بها حسب الإمكانات والوسائل المتوفرة لهم في تلك العصور.

الصفحة 34