كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 29)

قال: وجمع السلطان الملك المظفر الأمراء بالصالحيّة «1» ، واستشارهم: أين يكون لقاء العدو؟ فأشاروا أن يكون بالصالحيّة.
وصمّموا على ذلك. فوافقهم على رأيهم ظاهرا. وركب فى صبيحة ليلة المشورة من منزلة الصالحية. وحرّك الكوسات «2» ودخل الرّمل. فانجرت العساكر خلفه، ولم يتخلف منهم أحد عنه. وسار بعساكره وجموعه، حتى انتهى إلى عين جالوت- من أرض كنعان «3» ، بالقرب من بيسان، مدينة غور الشام.
وأقبل كتبغا نوين بجيوش التتار، ومن انضم إليه. والتقوا واقتتلوا- وذلك فى يوم الجمعة، الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة ثمان وخمسين وستمائة. وثبت الملك المظفّر أحسن ثبات. حكى بعض من حضر هذه الواقعة قال: كنت خلف السلطان الملك المظفّر، لما التحم القتال ووقعت الصّدمة الأولى، فاضطر جناح عسكر السلطان، وتتعتع طرف منه.
فلما رأى الملك المظفر ذلك، رمى خوذته عن رأسه، وصاح: وا إسلاماه! وحمل، فأعطاه الله تعالى النصر. وكانت الدائرة على التتار، وأخذهم السيف والإسار. وقتل كتبغا نوين، فيمن قتل. وانهزم من سلم من التتار، لا يلوون على شىء. وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى ممن شهد هذه الوقعة، وأبلى يومئذ بلاء حسنا.

الصفحة 474