كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 29)

قال الفرّاش: فجئت إليه وجعلت ألومه على بكائه من لطمة واحدة، فكيف لو ضربت ألف عصاة أو دبّوس، أو جرحت بسيف؟! فقال: والله ما بكائى وغيظى من أجل لطمة، وإنما كونه لعن أبى وأمى وجدى. فقلت له: ومن أبوك وجدك وأمك؟ فقال: والله أبى خير من أبيه، وأمى خير من أمه، وجدى خير من جده. فقلت له: أنت مملوك تركى، كافر بن كافرين.
فقال: والله، ما أنا إلا مسلم، ابن مسلمين: أنا محمود بن ممدود، ابن أخت خوارزم شاه، من أولاد الملوك. قال: فسكتّ عنه وطايبته.
وتقلّبت به الأحوال، إلى أن ملك الديار المصرية والشام. ولما ملك دمشق أحسن إلى الحاج على الفراش المذكور، وأعطاه خمسمائة دينار، ورتب له راتبا جيّدا.
قال الشيخ شمس الدين: وقد حكى لى ولوالدى، هذه الحكاية عنه. هذا معنى كلامه ولفظه.
ومما يؤيّد هذه الحكاية أيضا- ويشهد لها- ما حكاه الشيخ شمس الدين- المذكور- عن والده، قال: حكى لى الحاج أبو بكر بن الدّريهم الإسعردى، والحاج زكى الدين إبراهيم الجزرى- المعروف بالجبيلى، أستاذ الفارس أقطاى- قالا:
كنا عند الأمير سيف الدين قطز فى أول دولة أستاذه: الملك المعزّ، وقد حضر عنده منجّم ورد من بلاد المغرب- وهو موصوف بالحذق فى علم الرّمل والفلك. فأمر قطز أكثر من عنده من حاشيته بالانصراف، فانصرفوا.

الصفحة 480