كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 29)

بالله ثم الجهاد" (¬1)، وفي آخر: "ثم الصلاة لمواقيتها" (¬2). وقد سلف الجمع بين ذلك. وقال ابن التين: لعل هذا قبل أن يفرض الجهاد والصلاة، وأخباره لا تتنافى، فإذا صلى في الوقت في الجهاد كان أفضل؛ لجمعه بين الأمرين وإن صلاها في غير وقتها فالجهاد أفضل، وهذا لمن ليس له أبوان؛ لقوله في الحديث الآخر بعد الصلاة: "ثم بر الوالدين" (¬3)، فمن له أبوان فصلى في الوقت كان أفضل (من الجهاد) (¬4).
فصل:
هذا أيضًا في باب الأدب والتواضع، وفي السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة؛ ليكون المؤمنون كلهم إخوة؛ ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك، وقد روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أشراط الساعة السلام للمعرفة" (¬5).
وروى عبد الرزاق، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يدخل السوق، فما يلقى صغيرًا ولا كبيرًا إلا سلم عليه، ولقد مر بعبدٍ أعمى فجعل يسلم عليه، والآخر لا يرد عليه، فقيل: إنه أعمى (¬6).
¬__________
(¬1) سلف برقم (1519) من حديث أبي هريرة كتاب: الحج، باب: فضل الحج المبرور.
(¬2) سيأتي برقم (7534) من حديث ابن مسعود كتاب: التوحيد، باب: وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عملًا.
(¬3) سلف برقم (537) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها.
(¬4) من (ص2).
(¬5) رواه أحمد 1/ 405. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (3848): إسناده صحيح. ورواه أيضًا الإمام أحمد 1/ 387 من طريق آخر. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (648).
(¬6) "مصنف عبد الرزاق" 10/ 386 (19442).

الصفحة 44