يرحمك الله، ما الذي أخفي من عملي؟ [قال: تخفي] (¬1) حتى يظن بك أنك لم تعمل حسنة قط إلا الفرائض قال: يرحمك الله فما الذي أعلن؟ قال: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (¬2).
وقال الحسن: لقد أدركت أقوامًا ما كان أحدهم يقدر على أن يسر عمله فيعلنه، وقد علموا أن أحرز العملين من الشيطان عمل السر، قال: وإن كان أحدهم ليكون عنده الزور، وإنه ليصلي وما يشعر به زوره. وكان عمل الربيع بن خثيم سرًّا، كان يقرأ في المصحف، ويدخل عليه الداخل فيغطيه، وقال بشر بن الحارث: لما ودع الخضر داود قال له: ستر الله عليك طاعته (¬3).
وروي عن ابن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وكان عمر - رضي الله عنه - يرفع صوته؛ فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي، وقد علم حاجتي، قيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ فقال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قال: أحسنت، فلما نزلت: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] الآية. قيل لأبي بكر: ارفع شيئًا، وقيل لعمر: اخفض شيئًا (¬4). فهؤلاء الأئمة المقتدى بهم، وأصل هذا قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلى قوله: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 16] قال مجاهد: هؤلاء أهل الرياء (¬5).
¬__________
(¬1) ليست في الأصول، أثبتناها ليستقيم بها المعنى.
(¬2) رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 169.
(¬3) رواه ابن المبارك في "الزهد" ص 15.
(¬4) "الزهد والرقائق" لابن المبارك ص 18.
(¬5) "سنن الترمذي" (2381)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6609).