عَلِم أو شَكَّ هل فهم عنه، فكرر الثانية فزاد الثالثة؛ لاستحبابه الوتر، وقد أسلفنا حكمة تكراره السلام ثلاثًا.
قال المهلب: ذلك للمبالغة في الإفهام (والإسماع) (¬1) وقد أورد الله ذلك في القرآن فكرر القصص والأخبار والأوامر، ليفهم عباده أن يتدبر السامع في الثانية والثالثة ما لم يتدبر في الأولى؛ وليرسخ ذلك في قلوبهم، والحفظ: إنما هو بتكرير الدراسة للشيء المرة بعد المرة، وقد كان - عليه السلام - يقول الشيء المرة الواحدة، وقول أنس: (كان إذا تكلم الكلمة أعادها ثلاثًا). يريد: في أكثر أمره، وأخرج الحديث مخرج العموم، والمراد به الخصوص.
فصل:
اختلف العلماء في قوله - عليه السلام -: "الاستئذان ثلاث" (¬2):
فقالت طائفة: معنى قوله: "فإن أذن له وإلا فليرجع" إن شاء، وإن شاء زاد على الثلاث لا أنه بواجب عليه أن يرجع.
قال ابن نافع: لا بأس إن عرفت أحدًا أن تدعوه أن يخرج إليك، وتنادي به ما بدا لك. وروى ابن وهب عن مالك قال: الاستئذان ثلاثًا، لا أحب لأحد أن يزيد عليها، إلا من علم أنه لم يسمع فلا بأس أن يزيد (¬3). وظاهر حديث أبي موسى يرده؛ لأن أبا موسى حمله على أنه لا يزاد على الثلاث مرات، وذلك يكفي معناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أبي موسى أنه يجوز الزيادة على الثلاثة لكان مخالفًا لمذهب عمر، ولم يحتج أبو موسى أن ينزع بقوله:
¬__________
(¬1) من (ص2).
(¬2) كذا لفظه عند مسلم (2153) كتاب: الآداب، باب: الاستئذان.
(¬3) "الذخيرة" 13/ 295.