كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 29)

"الاستئذان ثلاث" حتى أنكر عليه عمر ترك الزيادة عليها، وقد زعم قوم من أهل البدع أن طلب عمر أن يأتيه بمن سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل أن مذهب عمر رد قبول خبر الواحد العدل، وقد سلف رده، وهو خطأ في التأويل وجهل بمذهب غيره من السلف. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكني أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1).
ففيه من الفقه: التثبت في خبر الواحد؛ لما يجوز عليه من السهو وغيره، وحكم عمر في خبر الواحد أشهر من أن يخفى؛ قد قبل خبر الضحاك بن سفيان وحده في ميراث المرأة من دية زوجها (¬2)، وقبل خبر حمل بن مالك الهذلي الأعرابي أن في دية الجنين غرة عبد أو أمة (¬3)، وقبل
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (5183 - 5184).
(¬2) رواه أبو داود (2927)، والترمذي (1415، 2110)، وابن ماجه (2642)، وأحمد 2/ 452 من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عمر بن الخطاب يقول: الدية للعاقلة ولا ترت المرأة من دية زوجها شيئًا. حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع عمر. وهو حديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (2599) وانظر "الإرواء" (2649).
(¬3) رواه أبو داود (4572)، والنسائي 8/ 21 - 22، وابن ماجه (2641)، وأحمد 1/ 364 من طريق عمرو بن دينار أنه سمع طاوسًا، عن ابن عباس، عن عمر أنه سأل عن قضية النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله في جنينها بغرة وأن تقتل.
والحديث صححه ابن حبان 13/ 378 (6021). وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (3439): إسناده صحيح.
وكذا صحح إسناده الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2136).

الصفحة 60