كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 29)

وروى الترمذي محسنًا عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: سأل أعرابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصور، قال: "قرن ينفخ فيه" (¬1)، وفي حديث أبي سعيد (¬2)، وقال الحسن مرفوعًا: "كيف أنعم، وصاحب الصور -وهو القرن- قد التقم القرن واستمع الإذن"، وفي "فوائد أبي الحسن صخر" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "ما أطرق صاحب الصور مذ، وكل به مستعدًا، بحذاء العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريان".
ولابن المبارك عن ابن مسعود - رضي الله عنه - حديثًا قال فيه: "ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض، فينفخ فيه، والصور قرن".
قال: وروي أن له رأسين: رأس بالمشرق، ورأس بالمغرب.
قال القرطبي: وليس الصور جمع صورة، كما زعم بعضهم أنه ينفخ في صور الموتى بدليل الأحاديث المذكورة، والتنزيل أيضًا يدل على ذَلِكَ، قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} ولم يقل فيها، فعلم أنه ليس بجمع صورة، قال الكلبي: لا أدري ما الصور؟ ويقال: هو جمع صورة مثل بسرة وبسر، أي: ينفخ في صور الموتى الأرواح، وقرأ الحسن: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] إلى هذا ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى، وهو مردود بما ذكرنا، وأيضًا لا ينفخ في الصور (للبعث) (¬3) مرتين، بل ينفخ مرة واحدة، فإسرافيل ينفخ في الصور الذي هو القرن، والله هو الذي يحيي الصور، فينفخ فيها الروح كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}
¬__________
(¬1) "الترمذي" (2430).
(¬2) "الترمذي" (2431، 3243).
(¬3) في الأصل: للنقر.

الصفحة 627